تدوينات تونسية

قيس سعيد : الرئيس المستحيل..

محمد الهادي الجبالي

يصعب التصديق بأن منظومة الحكم ستقف متفرجة على تشتتها أمام المتسلل في غفلة من الجميع الى المؤسسة الأكثر هيبة ورمزية لدى السياسيين والتونسيين عموما… ليس أمامها إلا تجميد خلافاتها البينية والاصطفاف خلف أسوأ وجوهها على مضض في انتظار لحظة أفضل للتطهر والتجميل…
لم يعد من المجدي أن تعتمد المنظومة على قاعدة “إن لم تستطيع أن تهزمه فصاحبه”، فإمكانية إحتواء هذا البارد العنيد، حد التجمد، كما حصلت مع من مر قبله، تبدو في حكم المستحيل فلقد عبر الرجل عن رفض مطلق لكل إمكانية التماس مع مساحة الفعل المشترك تصورا و آليات…
ولم يبق أمامها إلا قاعدة “إذا كان أمامك خصمان فاصرع الأشرس”، وواقع الحال يضع الرجل الملتحف بالصمت هو خصمها الأعنف الذي يتهدد وجودها ووجود كل “منجزها” التاريخي من الدستور الى نظام الحكم وصولا إلى كيان الدولة ذاته…
قوة سعيد أن خطابه الذي نشره كالموزع الآلي جلب له جمهورا من السوق الموازية للمنتظم السياسي الرسمي وجمع حوله كثيرا من المتهربين من العملية السياسية التي قامت في 2011 وجذب نحوه كل الهاربين من قانون الالتزام الحزبي، هي في الآن نفسه نقطة ضعفه التي ستشتغل عليها المنظومة من أجل استهدافها، وهو ما بدأته فعلا، تضخيم جمهور من أجل تنفير آخر فمرة تضخم الجمهور المتدين من أجل تنفير آخر حداثي والنفخ في الحضور اليساري بهدف تخويف الاخر المتدين، وفي ثالثة على “فوضوية” الشباب الثوري لإحياء لحظات الانقسام في 2013… هذا عدى السعي إلى إلحاق الرجل بمحاور متناقضة في المنطقة من أجل بث الفرقة والشك في معسكره وهو ما ظهر مأخرا على صفحات التواصل الاجتماعي…
ستعمل المنظومة على التعبئة العامة من أجل “معركة الإنقاذ”، تعبئة المقاطعين والغاضبين والمتغيبين في الدور الأول تحت شعار إنقاذ الدستور والديمقراطية وجهاز الدولة الذي ورثه التونسيون منذ الحسينيين، وستستخدم في المعركة “المقدسة” كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ما علمنا منها وما لم نعلم…
وعليه أرى أن الدور الثاني من الرئاسيات مجرد وقت إضافي في انتخابات 2014 بين المرزوقي والباجي دون أن يغير ذلك من النتيجة النهائية شيئا…
وإن حدثت المعجزة ومر سعيد إلى قصر قرطاج فإنه لن يستطيع أن يستمر في الحكم باستخدام آلية الاستفتاء والقفز على البرلمان بغاية الوصول الى تنفيذ مشروعه، ولن تدوم فترة حكمه في ظل حالة التصيد المزدوج: رئيس يسعى لحل البرلمان وبرلمان يبحث عن سحب الثقة من الرئيس…
مع أني انتخبت سعيد وسأعيد انتخابه إلا أني أراه رئيسا مستحيلا وتلك هي “صاحبة الجلالة” الصدفة كما يسميها فولتير.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock