للعيد عادات… وقلبي راحل
الخال عمار جماعي
لم يكن الوالد -رحمه الله- من أصحاب القطعان، فحسبنا نعجة أو نعجتين وعنزا حلوبا ما أمكن ذلك! ولا كان أيضا ممّن يدّخر مالا لأضحية فيسعدنا بكبش نبزّ به ابن الجيران الذي نكره أنّ والده يشتغل بفرنسا فيأتي له بثياب جميلة و”يقهرنا بعلوشه”… ! يصبح أبي جزّارا في عيد الإضحى بما يعرف من مواضع المفصل وما يرتّل من الأدعية المناسبة… فإذا أنجز وهبه صاحب الأضحية ذيلها وتصدّق عليه ببعض كتفها!
لم نكن من أصحاب الأضاحي حتى ننتظر خطبة الإمام فنسرع بالمواعين و”نبوس الكبش ونبكي فراقه”… كنّا فقط ننتظر عودة الوالد -يرحمه ربي- بما يضعونه له في القفّة ! فإذا هبّت ريح اللّحم وسمعنا نشيجه على مواقد الجيران فيصيبنا القرم، قامت الوالدة -رحمها الله- إلى حطبها تكدّسه وإلى قصعتها الوحيدة تغسلها جيّدا وتضعها بيننا… نتحلّق حولها ونتخاصم في الأمكنة وننظر إليها فارغة ولكنّنا نتخيّل اللحم مكدّسا !
فإذا أقبل الوالد -رحمه الله- من طوافه، قال قولته مبتسما راضيا: “هيّا ان شاء الله عيدكم مبارك عليكم وعلى امّة محمّد” وناول أمّي القفّة الملآى أفرغتها في القصعة فنقبل نحن عليها نجسّ اللحم ونشمّه بينما يذهب هو إلى دكّة مقابلة ليريح “فخّار ربّي”!
كانت الوالدة تترك الذيول لكسكسي الليلة ففيه أُدم عظيم وتضع على جنب ما يكون قدّيدا وتتخيّر لكلّ واحد منّا قطعة لحم للشواء ! كنّا ستّة أفواه تسيل لعابا للقضمة الأولى… فلا نهتمّ بحرق أصابعنا… يكفي أنّنا سنأكل اللّحم اللذيذ ! تنهرنا الوالدة: “لا تغسل اللحم ستذهب بركته !” كان يعنينا أكثر أن نشمّه ونمضغه ببطء ونتلمّظه ونستسيغه هنيئا مريئا في حلوقنا… ولا نغسل أيادينا منه أبدا لتبقى رائحته كلّما شممنا أكفّنا ! كان اللّحم فرحتنا الكبرى… وسعادتنا القصوى !
كان هذا دأبنا حتى تغيّر الحال… وأصبح أطفالي يتشدّدون في نوع الكبش الذي يريدون فأدفع وأكتم عليهم أنّني كنت أنتظر قفّة أبي وما يضعه فيها أهل البرّ لنا… وأنّني لا أغسل يديّ بعد اللحم حتى لا تفارقني رائحته…!
أعيّد عليكم بما كان يقوله لنا الوالد يرحمه الله: “هيّا ان شاء الله عيدكم مبارك عليكم وعلى أمّة محمّد”!
“الخال”