ما سرّ هذا التهافت على الترشح لرئاسة تونس ؟؟؟
مصبـاح شنيـب
يبدي كثير من التونسيين استغرابهم من زحف مواطني بدا غير مألوف على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للترشح لرئاسة الجمهورية وفقا للقانون. وهو استغراب في محله تماما لأن منصب “رئيس الجمهورية” لم يكن يوما في تونس متاحا لكل التونسيين بصفة فعلية حتى ان تونس المستقلة خلال ما يربو على ستين سنة لم تعرف الا رئيسين لا يمكن القول انهما وصلا الى سدة الرئاسة بصفة ديموقراطية فالأول فاز بالرئاسة وفق قانون على المقاس والثاني فاز بها بواسطة انقلاب طبي.
ولعل ذلك يفسر جزئيا هذا الهجوم لاسترداد حق الشعب لمؤسسة الرئاسة بعد أن ظلت شبه مختطفة لعقود عديدة لا يجرؤ أحد على تمني إدراكها وإن حدثته نفسه بذلك أفرد إفراد البعير المعبّد.
اذن هذا التدافع على الترشح -رغم طابعه الفلوكلوري- وذهاب كثير من الناس الى كونه مدبرا أصلا لـ “تشليك وتذريح” الرئاسة وتتفيهها لدى الشعب وإظهارها بمظهر “المسخرة”.. رغم كل ذلك فهي قد فسخت القداسة التي خلعها المخيال الشعبي على مؤسسة عملت أطراف كثيرة منذ فجر التاريخ على “تأليهها” وتصنيفها ضمن المحرمات التي لا يجوز للشعب الحافي مجرد التفكير فيها.
لكن ما عايشناه ولا حظناه جعلنا نعيش ولو -وهما- كيف تترجل “فخامة الرئاسة” من عليائها لتداعب أحلام الرعاة والحفاة.
قد لا نجازف اذا قلنا إن الشعب على الأقل في علاقته بنفسه قد حرر الرئاسة من قبضة الأرستقراطيين والعائلات الكبيرة والموظفين الكبار والمتثاقفين في محفل التكاذب الوطني ليجعل منها مجرد معنى ملقى على قارعة الطريق كما يقول أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ في معرض حديثه عن المعاني واشتراك الناس في إدراكها.
وإذا كان هناك من كسب من كل هذا الإسهال الرئاسي الذي عشنا على وقعه خلال الأسبوع المنقضي فهو هذا التواضع الجم الذي تلزم به الديموقراطية الرئيس أيا كان منشؤه الاجتماعي وهو تواضع معيش رغم طابعه المؤقت. فبعد استيفاء الانتخابات ستعود الرئاسة طبعا الى كبريائها القديم وسيلتحق الرعاة بقطعانهم.