من سينتج لهذا المجتمع أفكاره الجديدة الكبرى ؟

عبد الرزاق الحاج مسعود

حسنا
لا مهرب من بعض الأسئلة:
من سينتج لهذا المجتمع أفكاره الجديدة الكبرى؟
الأفكار التي يحتاجها لمواجهة الفراغ والتيه والتفاهة؟
• هل سنترك الأمر لبقايا المؤدلجين المحنّطين الذين يعاندون التاريخ بيقين مَرَضي، ويصرّون على حتمية النصر، سواء كان حتمية علمية، أو غيبية (إنما النصر صبر ساعة.. قد تطول إلى قيام الساعة)؟
• هل نتركه لسياسيّي الصدفة والفراغ الذين تسلّلوا من شقوق الانقسامات الإيديولوجية الطفولية والمغامرة والعبثية؟ والذين وجدت فيهم لوبيات الفساد والجريمة أدوات غبية لاختراق نسيج الاقتصاد والثقافة والسياسة بعد انفجار 14 جانفي؟
• هل نترك مسؤولية إنتاج الأفكار الجديدة إلى الأميّين من أئمة المساجد (وهنا قد أستثني خمسة أئمة مثلا على سبيل الاحتياط) الذين يقصفون من منابر الجوامع عقول الشباب بأطنان من الأفكار الميتة يجلبونها من طيّات كتب الفقه القديم على أنها غيب لا يقبل التفكير؟ منابر صارت مطاحن للعقل وجزرا مغلقة يحتكرها مردّدون أوفياء لميراث الانحطاط الديني فيعطّلون بتواطؤ مجتمعي ورسمي كلّ شروط التحرّر الفكري؟
الخطاب الديني السائد ينتج انفصاما حادّا في الخيال والسلوك في كل فئات المجتمع (انفصام بين قديم فلكلوري لا عقلاني، وجديد مغر لكنه مدان اخلاقيا/دينيا)، ويمنع تبلور مشترك فكري مجتمعي جديد، لتظلّ تيارات التنوير دائما نخبوية معزولة وغير مؤثرة، وتتناسل أجيال السلفيّين المدمّرين لفرص التفكير الجديد.
• هل نترك هذه المهمّة لجامعات ينتج طلبتها آلاف الأطروحات في كلّ اختصاصات المعرفة ويلقون بها في المزابل لافتقارها إلى أدنى قيمة علميّة؟ جامعات لا علاقة لأساتذتها بتيارات التفكير الإنساني الكوني إلا استثناءً، رغم الثورة المعلوماتية الميسّرة للانفتاح والاستفادة والمساهمة؟
• هل نترك مهمة صناعة المعنى للمأخوذين بموضة “شبه” الرواية والشعر والسينما من الذين يجرؤون دون تحصيل معرفي صلب وعميق على فنون هي أرقى ما أبدعه الخيال الإنساني (دون أن نثير فن الموسيقى هنا لأن التطاول عليه قليل وسريع الانكشاف)؟
•••
الثابت عندي أنه ليس للتونسيين اليوم مفكّرون يبلورون لهم اتجاهات السير في زحام التاريخ وأضوائه المعشية للبصر (لم تعد الظلمة هي التي تعيق السير بل شدة أنوار المعارف المتفجّرة والقصف المعلوماتي الرقمي).
قد نجادل هذا الإثبات الموجع بالتساؤل:
• ألم تتجاوز المجتمعات الحديثة الحاجة إلى “عباقرة أفذاذ” يخترقون بذكائهم حالة الركود العامة، لصالح “ذكاء مؤسساتي جماعي تضامني” يقتصر دور القادة فيه على التنشيط التاريخي الخفيّ والمراكمة المعرفية والعملية ( لا القطائع)؟
نسبيّا ربّما….

Exit mobile version