أحمد الغيلوفي
لم اسمع بأمة تعرّضت لإبادة بينما يخوض أفرادها في “نثر العالم” ولم تُشكّل الإبادة لعقولهم أي إحراجات فكرية وخُلُقية وسياسية تدفعهم الي طرح أسئلة حادة..
اتحدت عن أساتذة وأساتذة جامعيون وباحثون وطلبة وإعلاميون ونقابيون.. كيف امكن صناعة مواضيع من مُخاط العالم يُعالجه خرّيج جامعة بشكل مُجترّ في الفايسبوك بينما يموت 400 الف بالجوع والعطش في شمال غزة؟ مَن يُحرّكُ في خيوط الوعي؟
عندما احتاجت فرنسا وإنجلترا الي القبائل العربية في الحجاز ونجد لضرب الإمبراطورية العثمانية صنعت “الثورة العربية الكبرى”، وكوّنت منهم جيشا وأرسلت إنجلترا ضباطا ادعوا الإسلام وقادوا “الثورة”.. ثم قفز الحلفاء على ارث الرجل المريض وتقاسموه.. عندما احتاجت أمريكا الي الإسلام والجهاد لضرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان نادت المنابر “حي على الجهاد” ومول الأعاريب الحرب المقدسة ضد الكفار.. لماذا يستبلهوننا دوما؟ لأننا لا نقرأ.. عندما أرادت أمريكا أن تنتقم من فيتنام التي أخرجتها مكسورة ماذا فعلت؟ تحالفت مع أسوء نسخة من “الكفار” الشيوعيين: الخمير الحمر، كان يأتيهم السلاح والمال والغذاء.. الخمير الحمر الذين قاموا بإبادة لأكثر من مليون كمبودي.. عندما لم تعطيهم طالبان نفط وغاز وذهب أفغانستان قالوا إسلام سياسي ظلامي يضطهد المرأة ويفرض عليها النقاب، ولابد من نظام علماني وديمقراطي…
ماذا فعلت بريطانيا وأمريكا مع اكبر حكومة علمانية عرفها الشرق؟ تحالفت السي أي ايه مع بريطانيا ونظمت انقلابا على محمد مصدق فقط لأنه أمم شركات النفط وافتكها من الشركة البريطانية “برتش بتروليم”.. ماذا حدث عندما أرادت تدمير الثورات العربية ونشر قواعدها في سوريا والعراق؟ نادى الخطباء في المساجد “حي على الجهاد” وشكلت “الجيش السوري الحر” وتحالفت مع الإسلام الجهادي وتركته يشكل دولة أمام أعينها لتجد مبررا فيما بعد لـ “محاربته” وبناء قواعد لا نعلم متى ترحل..
الى أين أريد الوصول؟ الى هذا: هناك من يعمل لدى الصهاينة والأمريكان وأنظمة العربان المسؤولة على الخراب العظيم. هؤلاء حلفاء تاريخيون وعدوهم واحد ولهم نفس البروباغندا: اذا اصبح اليساريون قوة يمكن أن تُهدد مصالحهم رفع العربان المصاحف واستنفروا الخوف على الإسلام ونادت المنابر بالجهاد ضد الكفار، واذا اصبح الإسلاميون قوة تحولت الوهابية الى حركة علمانية واصبح “الإسلام السياسي” خطرا (خطرا على من تحديدا؟).. ويتلقّفُ الحداثي والانواري +التقدمي الطّعم ويتحالف مع “العالم الحر” ضد ” أعداء الحقوق والحريات” و”اعداء المرأة” و”قيم الحداثة”..
والإبادة الحاصلة الآن؟ لا عالم حر يبكيها ولا حقوق ولا حريات ولا مرأة ولا طفل ولا قيم حداثة تحميها؟ ظلامية القرون الوسطى تقوم بها حداثة العالم الحر.. ذبح للحقوق والحريات وللنساء والأطفال.. واستقبال للقتلة في عواصم الأنوار وترحيب بالمجرمين من ألهة الحقوق.. وفي الضفة الأخرى دماء ومُخاط فايسبوكي.