التطبيع.. هل أطعمكم من جوع أو آمنكم من خوف ؟

توفيق رمضان
وأنا اتابع الفيديو الفضيحة الذي يتغنى فيه زوار تونس بالكيان الغاصب ويطلبون الحياة لجيش قتل الأطفال والنساء، أهلك الحرث والنسل اصابتني الغصة من شدة القهر.
تذكرت 2005 عندما تناهى إلى مسامعنا أن شارون سيزور أرضنا للمشاركة في قمة المعلومات، وردود الافعال المشرفة وقتها والتي رفضت أن تطأ قدما المجرم ارض الخضراء، الارض التي استشهد فيها أبو جهاد، تذكرت كل الاغاني والقصائد التي تتغنى بالقضية الفلسطينية، تذكرت كيف كانت تغص الساحات والميادين والشوارع في وطننا العربي بالجماهير الرافعة لشعارات تحرير القدس والمنادية بضرورة استرجاع الأقصى. علم فلسطين لا يكاد يغادر الشوارع العربية و”الكوفية” الفلسطينية تحيط بأعناقنا كعقد فريد، حتى أن اسم القدس نطلقه على المكتبات والساحات والمقاهي.
أغاني الشيخ امام، مارسيل، جوليا… وقصائد درويش، سميح القاسم… كانت هي حبوبنا المسكنة والمحفزة بل حبوب هلوستنا التي تجعل من الجرح لا يطيب والحلم لا يغيب.
حلم كان شاهدا على اربع حروب 1948، 1958، 1967، 1973، عقبتها معاهدة كامب ديفيد ثم معاهدة السلام في مارس 1979 نتج عنها مقاطعة العرب لمصر علنا والقوم في السر غير القوم في العلن.
رغم مرور 70 سنة على وجود الكيان الصهيوني بين ظهرانينا ظلت شرعيته منقوصة بل ظل يبحث عنها في التاريخ والجغرافيا فنال اعتراف 157 دولة من بينها مصر 1978، الأردن 1994 وموريتانيا 1999.
بعد أن كان الحديث سابقا عن المقاومة المسلحة وبالقاء الكيان في البحر وقمة اللاءات الثلاث في الخرطوم 1967 أصبحنا نناقش موضوع التطبيع من عدمه.
تطبيع العلاقات هو مصطلح سياسي يشير إلى جعل العلاقات طبيعية بعد فترة من التوتر والقطيعة لاي سبب كان.
بعد سنوات من الصراع أصبحت القضية الفلسطينية عبئا على الانظمة العربية وهذا ما جعل الدول المشاركة في القمة العربية ببيروت 2002 تقدم مبادرة تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا إلى حدود1967 مقابل التطبيع وهو ما انطلقت بعض الدول في التمهيد له من خلال استقبال زعماء صهاينة (زيارة نتنياهو لسلطنة عمان) ودخول وفود رياضية للاراضي العربية، ووفود غير رياضية تحت غطاء ديني.
بعد هبوب رياح الثورات العربية تجدد حلمنا بالنصر وكانت فلسطين حاضرة في شارع الحبيب بورقيبة (تونس) وميدان التحرير (مصر)، فالاستبداد والانظمة العميلة التي كانت تحكمنا كانت هي العائق امام تحقق الحلم أو هكذا شبه لنا.
قالوا لنا قديما أن الزعماء العرب هم زعماء من ورق وانهم خونة وباعوا القضية مقابل فتات السلطة وانهم لا يستطيعون اغضاب أسيادهم. هاقد ذهب الخونة أو جزء منهم فهل تغير شيء ؟ هاقد ذهبنا جميعا للانتخاب وربح من بكى الاقصى عقودا وظل أمله ركعتين فيه وان بينهم وبين القدس كرسي السلطة لانه يوزع بالسلطان ما لا يوزع بالقرآن فهل تغير شيء؟
لم نطلب منهم ارسال جيوش اولها في بيت المقدس وأخرها في طنجة او القيروان، طلبنا فقط تجريم التطبيع، طلبنا تبليغهم رفضنا القاطع لهم، طلبنا ان نردد على مسامعهم اخرجوا من ملحنا، من جرحنا، من قمحنا، من ذكريات الذاكرة، طلبنا ان نعلم اطفالنا في المهد أن الكيان عدوهم وانه عابر لا محالة، لكنهم عجزوا عن ذلك بل زادونا اذلالا مبررين ذلك بجوع وخوف.
الجائعون يرون في التطبيع الطريق الاسلم لبناء علاقات اقتصادية متطورة ولنيل رضا قوى الضغط العالمي والمؤسسات المالية المانحة للقروض والدول الكبرى الضامنة التي هي عرابة الكيان الصهيوني، وفي هذا الاطار جاء منتدى غاز شرق المتوسط بمصر بمشاركة سبع دول من بينها الكيان الغاصب كما تطور التبادل التجاري لبعض الدول العربية مع الكيان وانتشىرت سلعه في أسواقنا.
أما الخائفون فتراهم يرون في التطبيع طريقا للامن والبقاء في السلطة لاطول فترة.
من بين الاسباب التي ساهمت في تآكل وتراجع حضور القضية الفلسطينية في العقل السياسي العربي هو الصراع الفلسطيني الفلسطيني بين حماس وفتح، كل فصيل يرى نفسه الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وكل منهما له ارتباطاته الخارجية حسب مقاربته للقضية وكيفية حلها وحسب الايديولوجيا التي يتبناها.
زيادة على ذلك هناك الصراع الخليجي الخليجي، والخليجي الايراني.
صراع دول الخليج فيما بينها جعل كل منها تبحث عن ظهر تستند إليه فكانت امريكا هي الظهر خاصة مع اعتمادها سياسة الاحتواء المزدوج لكل اطراف النزاع حتى في الصراع الخليجي الايراني.
هذه الصراعات جعلت دول الخليج تتحالف مع ترامب الذي دعا إلى اعتبار القدس عاصمة للكيان والجولان جزء منه مقابل حمايتهم من النووي الايراني والمد الصفوي. الخوف هو ما جعل البعض في تونس ترفض تجريم التطبيع الذي بحت حناجر قياداتها وانصارها من ترديده قبل وصولهم للسلطة. لك الله يا قدس.