الإثنين 7 أبريل 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

عن الطبّ والأطبّاء

نور الدين الغيلوفي

ليس منّا من لا يقدّر مهنة الطبّ ولا يحترم الأطبّاء.. علم دقيق يشتغل بأعطاب الأبدان وعلل النفوس يُقبل عليه رجال ونساء ذوو ذكاء متّقد وصبر جميل وتحمّل ليس لغيرهم..
يُقبلون على التعلّم ولا تُسلمهم الدراسة إلّا وقد أنفقوا فيها زهرة أعمارهم وذهب ماء شبابهم…
وللأطبّاء قسَم تقشعرّ لسماعه الأبدان لا يُسمح لهم بممارسة المهنة إلّا به، ككلّ واجب لا يتمّ الواجب إلّا به.. والقسَم مفتاح أخلاقيّ يدخل به الطبيب على مدينة العلم التي شيّدها.. فليس من علم محصَّن بالأخلاق يسيّجه الضمير مثل علم الطبّ لأنّه يتعامل مع الحياة في أوضح آيات هشاشتها..
الأطبّاء يأتيهم المرضى في أضعف حالاتهم يقفون من الحياة على عتبة الخروج لولا تسليم من الله.. ومن عند الطبيب.. يقبل المرضى على الأطبّاء يسلمونهم أبدانهم ويستأمنونهم على حيواتهم فيستنفرون كلّ العلم ويركّزون كلّ العمل ويُعملون كلّ المهارة في إصلاح الأعطاب وتصحيح الأبدان والتوسعة على الأرواح.. فلا يكون منهم سوء إلّا ما كان عن غير قصد…
بفضل كلّ ذلك يستحقّ الأطبّاء أن ينعموا برخاوة الحياة تهبهم من سعتها بعد أن وهبوها من صبرهم ومنحوها من سبرهم.. فليس لأحد أن يحسد طبيبا على نعمة هو فيها كسبها من سعة علمه وكدّ يمينه… “الله يبارك ويزيد”…
ولكن…
يا للكن!
أحتّى مع الأطبّاء لكن؟
أجل.. مع الأطباء لكن..
لكنّ الطبيب إذا فقد الضمير وهجر الأخلاق تحوّل من حارس للحياة يزرعها ويسقيها ويحميها إلى حليف للموت عليها.. ومن ذلك تأتي خطورة الطبيب..
وفي حكايات الناس عن ذلك شواهد لا يحصيها العدّ ولا تعرف حدًّا.. لسنا في وارد رواية ما يُخجل منها، تجاوزا وترفّعا.. ولأنّ لنا بينهم رؤفاءَ رحماءَ في سلوك أنبياء نجلّهم ونقدّرهم وندعو لهم بكلّ خير…
ولكنّ بينهم من تحوّلوا إلى مقاولي أبدان بشريّة يختمون أيّامهم بعدّ “الفلوس” التي جمعوها.. وما جمعوها، في حقيقة أمرهم، لغير زوجاتهم وبنيهم ينعمون بها دونهم… أمّا هم ففي غرف مظلمة مجهّزة بمكيّفات حرّ في الشتاء وبأخرى للبرد في الصيف لا يخرجون للشمس إلّا قليلا حتّى لانت منهم الجلود وتعارك البياض مع الصفرة على وجوههم وركبهم النحول وتغضّنت منهم النحور.. لتنعم من ورائهم الزوجات والبنون بخيرات الحياة.. حتّى لقد تحوّل كثير من الأطبّاء الذين نسوا القَسَم إلى ماكينات لجني الأرباح فلا يأتيهم غير ذي مال.. أمّا الفقير فيكفيه الزحام ليقع مغشيّا عليه من انتظار طبيب عموميّ لم يأت.. خرج في مهمّة تعويض زميل له في عيادته يجمع له ماله في غيبته.. لقد خرج سيّد العيادة إلى عمارة له امتنع ساكن شقّة منها عن تسديد معلوم الكراء.. ماتت زوجته عند الوضع فلم يجد وقتا لتسديد الكراء ولا مالا لإخراجها من العيادة التي يعمل بها الطبيب المداوي…
بمثل هذا الذي نسمع ونرى نفهم معنى أن يكون بعض الأطبّاء جشعين.. ويحاصرون الخيّرين منهم بجشعهم حتّى يكونوا أمثالهم.. بذلك يفقد الطبيب هيبته ويكون الترفيع في التعريفات أمرا ثانويا أمام أزمة أعمق..
#أزمةقسَممحنوث_به


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

رسالة إلى الأستاذ الشيخ راشد الغنوشي بمناسبة حلول شهر رمضان

نور الدين الغيلوفي 1. صائم أنت يا شيخ؟ سمعتُ أنّك صوّامُ نهارِك قوّامُ ليلِك من …

نور الدين الغيلوفي

وفي أنفسكم، أفلا تبصرون؟

نور الدين الغيلوفي 1. هذا نصّ كلاميّ، لا علاقة له بالوقائع. الوقائع ليست أكثر من …

اترك تعليق