مقالات

ائتلاف القوى الثورية أم جنرالات جدد ؟؟

صالح التيزاوي

قراءة في المشهد الإنتخابي
مع اقتراب الموعد الإنتخابي للتّشريعيّة والرّئاسيّة تشظّت أحزاب (نداء تونس) وتصدّعت جبهات (الجبهة الشّعبيّة) التي تقف اليوم على مفترق الطرق بعد استقالة تسعة من نوّابها، وبرّروا الإستقالة بأنّها من باب “العلاج بالصّدمة” و”دقّ ناقوس الخطر”. حيث لم تعد الخلافات داخل الجبهة خافية على أحد، ويخطئ من يحصر تلك الخلافات حول من يكون ناطقا رسميّا باسم الجبهة أو من يمثّلها في الرّئاسيّة، إذ الخلاف أعمق من ذلك بكثير، في غياب مراجعة شاملة لفكر شمولي وأيديولوجيا حديديّة، الخلاف يطال آلية اتّخاذ القرار، وتقييم الموقف من الثّورة ومن قطع الطّريق على الرئيس السّابق “المرزوقي”،
حيث اعتبره “زهير حمدي” (متاع التّيّار الشعبي) “خيارا بائسا، كانت تداعياته على الجبهة كارثيّة”… (الآن وقد عصيت من قبل واستكبرتم وركبتم رؤوسكم الثّوريّة جدّا) !! فإمّا أن تعصف بها خلافاتها فتتلاشى وتعود إلى بدايتها، مجرّد كيانات متناحرة، تختلف على ترتيب أولويّاتها وعلى ماهية الإقتصاد التّونسي (رأسمالي، إقطاعي، أم شبه شبه) ويتواصل خلافها حول الخطّ الأمثل لتطبيق الماركسيّة وأيّ فصائلها أجدر بالإتّباع (اللّينينيّة، التروتسكيّة الستالينيّة، الماويّة، الخوجيّة) وإمّا أن يثوب عقلاؤها إلى رشدهم ويغلّبوا عوامل الوحدة على دواعي التّفرقة والإنشطار، ويستعيدوا روح اليسار المناضل، المنحاز لقضايا الحرّيّة والعدالة الإجتماعيّةوالمتصالح مع الثّقافة الوطنيّة حقيقة وليس مجرّد شعارات فضفاضة. كما برزت أحزاب جديدة (تحيا تونس) ويعرف بأنّه حزب رئيس الحكومة الحالي، وأغلب مؤسّسيه والمنتسبين إليه منشقّون عن نداء تونس. وسط هذا المتلاطم من الحراك الحزبي: تشظّيا وائتلافا، برز “ائتلاف الكرامة”. فما هي دواعي نشأته؟ وما هي أهدافه؟ وما هي حظوظه في إحداث اختراق نوعي في الإستحقاق الإنتخابي القادم؟
دواعي النّشأة:
يقول مؤسّسوه بأنّهم قلقون على مستقبل الثّورة بسبب تشتّت القوى الثّوريّة، وهو ما سهّل عودة المنظومة القديمة من بوّابة الدّيمقراطيّة لتطغى على المشهد السّياسي وتغرق البلاد في فوضى عارمة وفساد لا يبرح يشتدّ يوما بعد يوم. كما يقول أصحاب المبادرة الإئتلافيّة إنّهم يئسوا من تكتّل القوى والأحزاب المحسوبة على الثّورة (النّهضة، المؤتمر، حراك تونس الإرادة، التّيّار، حركة وفاء، إلى جانب شخصيّات وازنة من اليسار الإجتماعي، شباب الثّورة). وهؤلاء جميعا على حدّ قول أحدهم (الكاتب والرّوائي عبد اللّطيف العلوي) أضحوا “جنرالات” لا أحد منهم يقبل بالتّنازل للآخر، ولا أحد يقبل بالعمل تحت إمرة غيره، ولا يرى نفسه إلّا قائدا وزعيما. فهل ينجح “إئتلاف الكرامة” في توحيد شتات القوى الثّوريّة حول “الأدنى في المشترك الوطني والثّوري” من أجل تصحيح مسار الثّورة؟ وأكبر من ذلك: هل ينجح في اجتذاب الشّباب الذين كانوا طليعة الثّورة ووقودها ثمّ انكفؤوا على أنفسهم لمّا خاب أملهم في السّياسيين، حكّاما ومعارضة؟
شروط النّجاح:
غنيّ عن البيان أنّه ليس لأيّ من الأحزاب المحسوبة على الثّورة القدرة على إنقاذ ثورة مغدورة والإبقاء على جذوتها مشتعلة (تنظيرا وتأطيرا وبرمجة واستشرافا) بعد أن تكالب عليها تيّار الثّورة المضادّة في الدّاخل والخارج. يحتاج الأمر إلى التّخلّص من ورم “الأنا”وحبّ الزّعامة وشهوة السّلطة ذلك الذي كان وراء تشقّق حزب المؤتمر (أحد أضلع الترويكا).. جدير بالذّكر أنّ محمّد عبّو كان أوّل المنشقّين عن حزب المؤتمر، بعد أن استقال من حكومة الترويكا مبرّرا ذلك بعدم جدّية الحكومة في مقاومة الفساد ليؤسّس لاحقا “التّيّار الدّيمقراطي” الذي يصفه كثيرون بأنّه حزب العائلة. ويتطلّع الحزب إلى تحسين وجوده في البرلمان القادم، مستفيدا من الإختراق النّوعي الذي أحرزه في الإنتخابات المحلّيّة الأخيرة التي صعدت به إلى المرتبة الثّالثة، وغذّت الشّعور لدى قيادته بإمكانيّة أن يكون بديلا محتملا في الحكم. لذا، لا يبدو أنّ الحزب معنيّ بالمولود الجديد، بل قد يرى فيه منافسا جدّيّا، قد يأكل من قواعده الإنتخابيّة…
مخاوف التّصدّع والإنشقاق
جدير بالملاحظة أنّ المؤتلفين في إطار “إئتلاف الكرامة” ينحدرون من أصول فكريّة متنوّعة، فمنهم الإسلامي، ومنهم العروبي، ومنهم اليساري، ومنهم العلماني، ومنهم “معدّلون فكريّا”، وبقدر ما يعتبر هذا التّنوّع عامل ثراء للتّجربة الجديدة فإنّه يطرح مخاوف جدّيّة من إمكانيّة التّصدّع عندما تطرح القضايا الجوهريّة والحسّاسة، بداية من التّرشّحات للتّشريعيّة والإتّفاق على مرشّح يمثّل “الإئتلاف” في الرّئاسيّة، وبناء التّحالفات داخل المجلس النّيابي في حال الفوز، إلى قضايا أخرى شائكة، كمنوال التّنمية وأولويات الحكومة والعلاقة بالصّناديق المانحة وملفّ الثّروات الطّبيعيّة والإصلاحات الكبرى.. ومن أجل تجنّب ما حدث داخل الجبهة الشّعبيّة،
قد يكون من اللّازم تحديد آليات ديمقراطيّة لإدارة الإختلاف.. وامّا في حال العجز عن توحيد الطّيف الأكبر من القوى الثّوريّة وفي اجتذاب شباب الثّورة أو في حال التْصدّع سيتحوّل مؤسّسو الإئتلاف إلى “جنرالات جدد” لن يزيدوا المشهد الثّوري إلّا مزيدا من التّشظّي لن تستفيد منه إلّا المنظومة القديمة بكلّ شقوقها..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock