صالح التيزاوي
بعد مماطلة وتسويف في تسليم الحكم للمدنيين وبعد مفاوضات عبثيّة، طال أمدها، بذريعة البحث عن شراكة مع القوى المدنيّة والبحث عن حلّ يرضي “كلّ الأطراف”، أقدم المجلس العسكري في السّودان على فضّ اعتصام الثّوّار بالقوّة، الذين انتفضوا على حكم المخلوع عمر البشير، ووفّروا أمام المجلس الحالي الشّروط الموضوعيّة للإطاحة به. فهل حسم المجلس العسكري أمره واختار السّير على خطى السّيسي مستفيدا من دعم مثلّث الشّرّ العربي: الإمارات ومصر والسّعوديّة؟ وهل بات العالم أمام “رابعة جديدة” ؟
لا يبدو أنّ ما أقدم عليه المجلس العسكري سلوكا مفاجئا، فكلّ الدّلائل والمؤشّرات تشير إلى أنّ المجلس العسكري لم يكن جادّا في مفاوضاته مع “قوى الحرّيّة والتّغيير” ولا مع المعارضة بصفة عامّة، وأنّه كان يبيّت للغدر بالثّورة السّودانيّة على طريقة السّيسي في مصر وأنّ المسألة مسألة وقت لا غير.. فما لا يمكن أخذه بالمفاوضات يمكن أخذه بالقوّة… فمن كان جادّا في الحوار ومخلصا للشّعب في ثورته، لا يقوم بتلك الزّيارات المكّوكيّة بين الإمارات والسّعوديّة ومصر، وهي جهات معروفة بدعمها لتيّار الثّورة المضادّة في العالم العربي، إلّا إذا كان يقايض على ثورة شعبه، ولا يتباطؤ في محاسبة أركان نظام عمر البشير الضّالعين في الفساد والإستبداد إلّا إذا كان يعتبر نفسه امتدادا للنّظام، ولا يتباطؤ في الإجراءات التي تسرّع بتسليم الحكم للمدنيين إلّا إذا كان عازما على البقاء في السّلطة، ولا يطيل من أمد الفترة الإنتقاليّة إلّا إذا كان يريد التّمكين لنفسه، ولا يزايد على قوى الحرّيّة والتّغيير وسائر أطياف المعارضة بشعبيّته، مدّعيا بأنّه “ليس مقطوعا من شجرة” كما جاء على لسان محمّد حمدان دقلو المعروف “حميدتي” أحد أعضاء المجلس العسكرى إلّا إذا كان يستند إلى مليشيات ومرتزقة وهو ما كشفته مشاهد فضّ الإعتصام وسحل الثّوّار وجلدهم بالسّياط وملاحقتهم من شارع إلى آخر !! ومن كان جادّا في الحوار مع المعارضة لا يغلق مكتب “قناة الجزيرة” إلّا إذا كان يبيّت لجريمة، يريدها دون شهود…
مرّة أخرى يكون “الرّزّ الخليجي” (السّعودي والإماراتي) وراء مذبحة جديدة في الوطن العربي، يغرون به مرضى النّفوس وحثالة البشر ممّن استوطن الطّمع والخيانة قلوبهم لقتل شعوبهم… في مصر برّروا الإنقلاب بأنّه استهدف “الإخوان” الذين يسعون لأسلمة المجتمع وتجديد حلم الخلافة وأنّهم يغذّون التّطرّف (هكذا روّجوا)، فهل قوى الحرّيّة والتّغيير في السّودان ذات نفس أو مرجعيّة إسلاميّة أو هي محسوبة على الإسلام السّياسي؟ فلماذا يتمّ استهدافها بتلك الطّريقة الهمجيّة والمروّعة؟ وما الذي يبرّر القتل والتّنكيل لفض اعتصام سلميّ يعبّر عن مطالب مشروعة بطريقة سلميّة ؟ لقد بات واضحا أنّ محور الشّرّ العربي يستهدف قيم الحرّيّة والتّداول السلمي على السّلطة وحقّ الشّعوب العربيّة في اختيار حكّامها وممارسة سيادتها على ثرواتها، بصرف النّطر عن هويّة المحتجّين والثّائرين.. لايهمّهم إن كانوا إسلاميين أو يساريين أو ليبراليين… “فهل من مدّكر”؟!
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.