مقالات

تجربتي مع الفرنسيين “عيش تونسي”

أنور الحاج عمر

تجربتي مع هؤلاء الفرنسيين الذين يريدون تعليمنا كيف نعيش تونسي
اتصلو بصديق يكره بل يمقت السياسيين. وكنت بجانبه فمرر لي الهاتف وقال لي ساخرا : رد هذا جوك..
سمعت صوتا أنثويا شبابيا يتحدث عن “وثيقة التوانسا” وامضاء 400 الف تونسي عليها. ضحكت في سري وتذكرت مئات الاف الاعضاء في حزب الشاهد.. وقالت كلاما كثيرا تافها سطحيا منمقا تقرؤه بتؤدة من الشاشة أمامها. كنت اسألها اسئلة دقيقة وواضحة وكانت تقرأ أشياء من على شاشتها لا علاقة لها باسئلتي غير بضع كلمات كانت تظنها كلمات مفاتيح.. أشفقت عليها ولحالها. الخبزة مرة.. مسكينة كانت تشعر بالحرج وهي تقرأ وتشعر انها لا تفهم حتى ما تقرؤه فضلا عن اسئلتي.

ثم مرت لتلك النقاط العظيمة التي خلصت اليها المنظمة الفرنسية المسماة “عيش تونسي”
أول نقطة قالت سوف نرفع كل الامتيازات عن المسؤولين السياسيين للدولة.
تساءلت في بلاهة.. الامتيازات الوظيفية القانونية التي هدفها تسهيل مهامهم وضمان ظروف جيدة للعمل والتي ينص عليها قانون هم واضعوه في مجلس النواب الذي يملكون فيه أغلبية علما وانها بضع الاف من الدنانير فقط؟؟
أم الامتيازات التي تمنحها لهم صلاحياتهم الوظيفية وتفتح امامهم ابواب الاثراء الفاحش بعشرات المليارات عبر الفساد ؟؟ انس حطاب نموذجا.. 😉
ارتبكت وقالت الثانية طبعا..
فقلت لها وكيف يكونون مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى وبدون صلاحيات؟ كيف سيعملون ؟ كيف سيؤدون مهامهم ؟؟ لمن ستتحول تلك الصلاحيات؟؟
اشتد ارتباكها وقالت هم حتما لديهم طريقة لتحقيق ذلك..
من “هم” ؟؟
هي تقصد اولئك الفرنسيين الذين نعمل عندهم. رؤساؤها في العمل.. لديهم حتما طريقة.. حل لهذا المأزق.. حل لم يخبروها به ولم يضعوه لها في الشاشة التي تقرأ منها.

طيب مررنا للنقطة الثانية.. بعث فرقة أمنية خاصة لمكافحة الفساد لديها صلاحيات واسعة لمراقبة ومحاسبة الجميع.. الجميع حتى الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية..
سألتها ببلاهة أيضا.. من سيبعث هذه الفرقة وبما انها فرقة امنية هل ستتبع وزارة الداخلية ؟ ام الجيش ؟ ام رئاسة الجمهورية ؟ ام تتبع البرلمان مباشرة ؟ ام تتبع المؤسسة القضائية ؟؟
كان ارتباكها اشد وهي تقول “لا هي فرقة مستقلة فوق الجميع ولا تتبع أحدا”.
سألتها باستغراب “كيف لا تتبع اي مؤسسة رسمية ؟ هل سنستوردها من الخارج ؟؟ هل ستتبع الأمم المتحدة؟؟ أم ستكون تحت اشراف مباشر للمخابرات الفرنسية ؟؟
قالت ” اش دخل الأمم المتحدة وفرنسا. احنا توانسا فقط”
طيب كيف ؟؟ هل هي فرقة أمنية موازية ؟؟
صمتت برهة.. ثم قالت “هم أكيد لديهم طريقة لتحقيق ذلك”
من “هم؟؟” هؤلاء الهم قادرون على الأعاجيب..

طيب مررنا للنقطة الموالية..
كل من يتورط في الفساد يطرد فورا من عمله..
هذه سهلة.. هذه فهمتها.. سوف يقع طرد كل المرتشين في الأجهزة الأمنية يعني قرابة الثمانين بالمائة لا ليس الأمنيين فقط بل كل القطاعات فنسب الفساد متقاربة في كل المجالات حتى القضاة أنفسهم..
سألتها.. هذا رائع يعني سنطرد ثمانين بالمائة تقريبا من الموظفين والكوادر والمسؤولين في القطاع العمومي وسنحولهم لمجرمين ولصوص ومهربين ومتحيلين. وسوف نجمد عمل مؤسسات الدولة ونصيبها بالشلل لفقدان مواردها البشرية. وسنحتاج لسنوات حتى يكتسب المنتدبون الجدد الخبرة الكافية لادارة العمل.. لكن سؤالي.. من سيقوم بمراقبتهم وكشف فسادهم واتخاذ القرار بطردهم ؟
أجابتني بثقة وحماس.. الفرقة الأمنية الخاصة بمكافحة الفساد.
الفرقة التي لازلنا لا نعرف كيف سنؤسسها ؟ الفرقة الخارجة عن مؤسسات الدولة وخارجة عن القانون ؟
الفرقة التي ستلعب جميع الأدوار وستراقب مليون موظف عمومي ؟
طيب والفساد في القطاع الخاص ؟؟ اكبر محفز للفساد في القطاع العام هو الفساد في القطاع الخاص.
قالت لي بنبرة انتصار “نطرد الفاسدين في القطاع الخاص أيضا”.
أصابني شلل مفاجئ في التفكير.. هل سنطرد أصحاب الشركات من شركاتهم ورجال الاعمال من أعمالهم ؟؟
ربما أفهم فكرة طرد رئيس جمهورية فاسد أو رئيس حكومة فاسد أو حتى رئيس مجلس نواب فاسد.. لكن طرد صاحب شركة فاسد من شركته التي يمتلكها ؟؟ 😱😨😵
هنا توقفت عن طرح الأسئلة.. لم أعد أستطيع تحمل هذا الجهل بالسياسة والدولة وهذه السطحية والتفاهة.. إنهم يسخرون من هذا الشعب البسيط الذي لا يهتم بالسياسة.
أكملت طرح باقي النقاط المضحكة.. وودعتها وأنهيت المكالمة.

خطر ببالي جماعة نظرية المؤامرة الذين يلصقون أي عمل مشبوه مثل عمل “عيش تونسي” للماسونية الخ… فضحكت. ما كل هذه السطحية والجهل. هل الماسونية هكذا ؟
إنها مجرد فكرة.. وهم.. حلم طمّاع لصديق ماكرون ليحكم تونس. فكرة أعجبت ماكرون فأمر رعاياه في تونس بفتح الأبواب وتسهيل السبل لصديقه حتى يعلمنا كيف نعيش تونسي. وحتى يتسنى له حكم تونس.
عيش تونس هدفها القصبة وقرطاج. تظن أنها البديل عن الأطراف السياسية الوطنية المتناحرة والتي نفر منها الشعب وجافاها.. أسال لعابه الفراغ السياسي في تونس. والمثل الشعبي يقول “المال السايب يعلم السرقة” وهو يرى دولة كاملة كل شيء فيها سائب.. فجاء ليسرقها.
هذا الفرنسي الأحمق الذي لا يفقه شيئا من العلوم السياسية جاء معتقدا أننا حمارا يصلح للركوب. أننا سننبهر بملياراته ونضعه في قرطاج..
لا حول ولا قوة الا بالله..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock