مقالات

توقع نتائج الإنتخابات ممكن لكن حصول الانتخابات مستحيل التوقع

أبو يعرب المرزوقي
لا يحتاج المحلل لخزعبلات دجال التوقعات في تونس -سابر الآراء الكذاب- لفهم مآل الساحة السياسية في الانتخابات المقبلة. فهي لن تتغير كثيرا بالنسبة إلى النهضة لكن الحصيلة ستكون بعد الانتخابات. فمن الآن ستتنافس جميع الحزيبات على بقايا النداء والدستور وشقوقهما وعلى حصة من يسمون أنفسهم يسارا وتيارا وقوميين.
سيتقاسمون ثلاثة أرباع المشاركين في الانتخابات حتى يحددوا أوزانهم. لكنهم من الآن مجمعون على ضرورة اخراج النهضة من الحكم. وإذا أمكن لهم الحد من نصيبها أي الربع أو ما دونه بقليل وهو ما أتوقعه لها فهم سيكونوا سعداء. وهم يتوهمون أن الاتحاد قد يضاعف وزن اليسار والقوميين في قسمة الأرباع الثلاثة على الأقل.
والمفروض أن تكون استراتيجية النهضة مبنية على هذه التوقعات أو ما يقرب منها لتحدد خط المعارضة التي عليها أن تكون قائدتها في ما بعد الانتخابات وقد يكون دورها حينها أهم بكثير من دورها الحالي إذا هي راجعت نفسها وتخلت عن التنازلات التي لا مبرر لها فضلا عن اللتكؤ في الدفاع عن المضطهدين.
فالجبن السياسي المضاعف -إزاء المافيا الحاكمة والمافيا النقابية- ليس من السياسة في شيء سواء في الحكم أو خاصة في المعارضة لحزب يدعي الانتساب إلى الإسلام ويسلك سلوك الحزب الذي هو أقرب إلى البرجوازية الزائفة أكثر من انتسابه إلى الطبقات الشعبية التي تعتقد أنه يمثلها بدليل حيز تظاهراته.
فلا يعقل أن يكون حزب إسلامي منتسبا إلى الأحياء الشعبية لما كان مضطهدا تصبح أهم تظاهراته خارجها بل ويكاد من يرتفع في مستوى القيادة يغادرها حتى ينتسب إلى الأحياء الراقية لكأن الهدف هو تأييد ما يتهمون به من إثراء سريع رغم أن الحقيقة هي غير ذلك. لكن المظاهر تنزع عنها قابلية التصديق.
وإذا كان يوجد شيء يعيفني في التكتكة السياسية التي لا تليق بحزب يمثل الإسلام وقيمه فهو الموقف الذي يجعل النهضة وكانها تعرض نفسها لبيع موقفها من الرئاسيات بالمزاد العلني. فـ”تطميع” المرشحين المحتملين ليس من مكارم الأخلاق لأن الموقف المبدئي صار مفقودا وبات سلعة تعرض للمزاد المشين.
من ذلك أن الموقف من “نسمة” حتى وإن برر بالموقف من حرية الإعلام وهو من الواجبات -لكنه تبرير لا يصدقه أحد لأن نسمة ليست حرة ولا إعلامية إذ إن صاحبها قارنها بالمدفع في الحرب على الترويكا- كانت بحماسة بينة ضمن نفس التكتيك الذي يقابله الموقف المجحف في حق الأساتذة الذين حرموا من حقوقهم وحبست عنهم أجورهم من حكومة حمقاء حفاظا على وحدانية التمثيل النقابي. وكنت ولا زلت أعتبر تونس ضحية مافيتين:
1. مافية النظام السياسي.
2. ومافية النظام النقابي.
فالتعددية السياسية ينبغي أن تتوازى مع التعددية النقابية. وتونس ضحية “قرنان الرأس” على مصالح الشعب والدولة. فما أدى إلى إفلاسهما هو تقاسم هذين المافيتين الإدراة والشركات وإثقالهما بالبطالة المقنعة.
فأي معنى لإسلام سياسي يقتصر الإسلام فيه على العبادات والسياسة على الرأسمالية التي يفرضها البنك الدولي والمافيات الحاكمة في البلاد؟ فليس بمثل هذه القيم يمكن للإسلام أن يكون مرجعية لسياسة الدنيا بقيم متعالية عليها. فتاوى المشاركة في الحكم بأي شكل اتفق ليست إسلامية ولا سياسية. وفضلا عن ذلك كله ليست محققة للحساب النفعي القريب ناهيك عن البعيد.
وطبعا فكلامي هذا لا يتوجه لجيل القيادات الذي انتهى دورها. وهو قد ينهي دور الإسلام السياسي إذا واصل التشبث بالقيادة فلا يكون فرق بينه وبين تشبث الحكام بالكراسي. كلامي يتوجه للقيادات الشابة في الإسلام السياسي إذا كانوا بحق مؤمنين بأنه مستقبل الإقليم كله وأن المدى البعيد هو الهدف وليس العجلة للحكم.
وآتي إلآن إلى الرئاسيات: لا يوجد حزب له من يمكن اعتباره مستجيبا لنوع الرئيس الذي تحتاج إليه تونس بمعنى رئيس لكل التونسيين. فجل السياسين الذين نراهم سواء من الدستور وما حوله أو من بقايا الترويكا ممن يتوهمون أنفسهم زعماء لا يمثلون طموح الشعب التونسي. لا أحد منهم بمقنع في ما يدعيه بل كلهم “بوزقليف” ولا وزن لهم كاف لتوحيد تونس وإخراجها من الحرب الاهلية الباردة والتي قد تسخن إذا عادت حليمة لعادتها القديمة.
وحتى قيس سعيد فإني أنصحه بالانسحاب. فيبدو أنه قد “جدت عليه” وإذا وجد في الشعب من تبلغ به السذاجة لتصور الرئاسة يكفي فيها شخص نزيه لتنجح فهو إذن ما يزال غرا. كما أنصح المرزوقي بأن يكرم لحيته بيده. ومثله السبسي وأي مرشح آخر سواء دعمته النهضة أو لم تدعمه. ولا أعتقد أن المرشح “ذا المصداقية” الموضوعية موجود حاليا. والمعلوم أن االمرشح ذا الحظوظ سيكون مرشح السفارات والمافيات وهم لم يعلنوا عنه بعد.
والحل الوحيد لتجنب أن تفرض السفارات والمافيات رئيسا على الشعب دون إرادته -إذا كان في النخبة السياسية من يريد لتونس الخير- هو تجنب التنافس على الرئاسة والاتفاق على شخصية ذات وزن يمكن أن تحول دون السفارات والمافيات من فرض “رجلها” الذي سيخرجوه في الأخير بوصفه المنقذ والذي لا بد من إنقاذ تونس منه بالاتفاق على شخصية جامعة تخرج تونس من صدام الحضارات الداخلي الذي فرضته النخب التي تدعي التحديث بالحرب على معتقدات الشعب وتراثه الثقافي والروحي.
ولا بد أن تكون هذه الشخصية الجامعة مقبولة من الحزبين الأكبرين في تاريخ تونس من بداية تكوين أول حزب إلى اليوم أعني شخصية تجمع بين الثعالبي وبورقيبة شخصية يمكن اعتبارها بداية للصلح بين فرعي الحزب الأقدم صلحا بين التأصيل والتحديث بعد أن تبين أن المعركة بينهما لن تحسم إلا بالصلح حيث لا غالب ولا مغلوب.
أما الأحزاب “الذرية” التي تكونت بعد الثورة أو التي هي مسامير جحا من جنس اليسار والقوميين قبلها فهم لا يمثلون ثقافة الشعب التونسي ولا يمكن أن يقودوها إلا إلى الخراب والدكتاتورية الإيديولوجية التي لا يميز أصحابها بين الأقوال والأفعال فضلا عن الجمود الفكري والعنف المعنوي والمادي المميزين.
لكن التوقع الممكن لنتائج الانتخابات إن حصلت تقابله استحالة توقع حصولها في موعدها. وذلك لعلل داخلية وخارجية. ولأبدأ بالخارجية. فما يجري في ليببا وفي الحزائر خاصة قد يغير اللعبة كلها من ألفها إلى يائها. ذلك أن حسم المعركة في ليبيا لصالح أحد طرفيها له إنعكاسات شديدة التأثير على مجريات السياسة في تونس.
والأهم منه ما يجري في الجزائر. فإذا تم الانتقال سلميا شيء وإذا دخلت الجزائر في عشرية سوداء ثانية شيء ثان. ونأمل أن تحسم الأمور سلميا لأن الحرب الأهلية لا قدر الله إذا بدأت فلن تتوقف في حدود الجزائر بل هي ستعم المغرب الكبير كله لأن هدفها سيكون سايكس بيكو مغربية على أساس عرقي.
وأملي ألا يقع الأخوة في الجزائر -بسبب المزايدات والمطالبة بالكل وإلا بلاش- فيما يخطط له أعداء المغرب الكبير الذي ما يزال أكثر صلابة من المشرق والذي يستهدفه من يستفيد من هشاشة يراد لها أن تكون من جنس ما عليه الوضع في المشرق بحيث يتقاسم النفوذ فيه الغرب وذراعيه المعلومين في الأقليم.
أما الأسباب الداخلية فهي تعود أساسا لفشل الشاهد في تكوين حزب بديل من النداء وتزايد الشقوق في النداء ورهان الثورة المضادة الخليجية على العميلة التي جعلوها ممثلة للدستور وهي لا علاقة لها به لأنها من توابع التجمع وليست من الدستور بل هي من جاريات الحجامة مثلها مثل الفة يوسف وهي من محظوظات عهدها.
كما أن اليساريين والقوميين الذين هم جنرالات بلا جيوش فقد بدأوا يشعرون بمنافسين من خارج الحزبين الأكبرين أعني من بعض شقوق حزب المرزوقي والشابي وفضلات الترويكا الذين يمكن ان يقاسموهم الغاضبين على الحزبين الأكبرين لأن الشقشقة الخطابية وعنتريات الإعلام والمجلس النيابي يمكن أن “تاكل” قبل أن يجد الجد في الانتخابات لكن لا مفعول لها فيها ما دامت المافية والثورة المضادة لم تراهن عليهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock