صالح التيزاوي
في أعقاب هزيمة 1967 أو ما يحلو لقومجيّة كلّ العصور تسميته نكسة، للتّخفيف من وقع كلمة الهزيمة على الأمّة العربيّة، وليسهّلوا على الأمّة هضم النّكبة، إنقاذا لما يمكن إنقاذه من سمعة عبد النّاصر، الذي توعّد الصّهاينة بأن يلقي بهم في البحر، وإذا بطائراته الحربيّة تدمّر بالكامل وهي في مرابضها وتحتلّ سيناء والجولان والضّفّة الغربيّة في يوم واحد.
في أعقاب تلك الهزيمة اجتمع زعماء الهزيمة في الخرطوم في 29 أغسطس من العام 1967، وبدل أن يناقشوا الأسباب الحقيقيّة للهزيمة وينطلقوا في عمليّة تحديث فعلى تلامس بنية الدّولة والمجتمع، يتيح للمواطن العربي ممارسة حقوقه السّياسيّة والمدنيّة والإجتماعيّة دون خوف من السّجن والقتل! فمن يرجع الحقّ (الأراضي المغتصبة) لأصحابه، إذا كان المعنيّ بإرجاعها (المواطن العربي) ممنوعا في وطنه من ممارسة حقوقه؟ فهل الحكّام هم الذين سيرجعون الأرض؟ كيف؟ وبمن؟ هل يرجعونها بشعوب أنهكها الجوع والمرض وجور الإستبداد؟!
وبدل أن يتواصوا بامتطاء قطار الدّيمقراطيّة والتّداول السّلمي للسّلطة كسائر شعوب الأرض، فإنّهم مارسوا سياسة الهروب إلى الأمام متجاهلين العوامل الحقيقيّة للهزيمة والتي لا يتحمّلها سوى حكّام مستبدّين وتدفع ثمنها شعوب عربيّة من كرامتها ومن أمنها القومي. أصدروا بيان “اللاءات الثّلاث”، حتّى أنّ قمّتهم تلك أصبحت تعرف بقمّة “اللاءات الثلاث” : لا صلح/ لا اعتراف/ لا تفاوض/.
ولأنّهم رفضوا الإصلاح مدفوعين بشهوة الإنفراد بالحكم وبشهوة البقاء في السّلطة مهما كان الثّمن، فقد ذهبت “لاءاتهم” أدراج الرّياح كما قراراتهم: وحدة الصّفّ العربي، توحيد الجهود العربيّة، عودة الحقّ إلى أصحابه…
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تلك اللاءات، فلا الصّف العربي اتّحد، ولا الجهود تجمّعت، ولا الحقّ عاد إلى أصحابه.
ظلّت الأمّة العربيّة دون غيرها من الأمم تنحدر لكأنّما الإنحدار أضحى قدرها. حكّامها اليوم يقولون: نعم بالثلاث لصفقة القرن، نعم بالثّلاث لقرارات التّهويد في القدس، نعم بالثّلاث لحصار غزّة، نعم بالثّلاث لقرارات ترامب (وآخرها الإعتراف بسيادة الصّهاينة على الجولان) نعم بالثّلاث للمزيد من الإستبداد ولو على جماجم القتلى من شعوبهم.