تدوينات تونسية

الحبيب بورقيبة أمر بالتعويض للمناضلين

علي الجوابي

الحبيب بورقيبة بصفته الوزير الأكبر رئيس الحكومة ختم أمر التعويض للمناضلين ولذويهم 
مباشرة اثر الثّورة تمّت الدّعوة الى التّعويض لضحايا الاستبداد من مناضلين وذوييهم جبرا للضرر الحاصل لهم لكن اعترض البعض على هذه الدعوة واستهجنها واعتبر هذا التّعويض يستنزف المال العام وتساءل في سخرية «قدّاش يساوي الكيلو نضال؟» وعلّل بعض المعترضين موقفهم بانّ النضال فعل إرادي غير قابل للتعويض لأنّ المقبل عليه يعرف مسبقا انه سيتعرّض للتعذيب وربّما الاغتيال وعلّله آخرون بانّ الحبيب بورقيبة وأنصاره الذّين قاوموا الاحتلال الفرنسي لم يطلبوا التعويض ولم يحصلوا عليه.

ينبني هذا التعليل الأوّل على تبرير الاستبداد والتّعذيب والاغتيال مادام النّضال مبادرة شخصية يتحمّل القائم بها وحده مسؤولية ما يقدم عليه وما يتعرّض له وينبني التّعليل الثّاني على مغالطة تاريخية فالحبيب بورقيبة بصفته الوزير الأكبر رئيس الحكومة كان بتاريخ 4 فيفري 1957 ختم أمرا عليّا يضبط نظام الجرايات لفائدة المقاومين المصابين بسقوط ولفائدة أرامل وأيتام ووالدي من استشهد في سبيل استقلال البلاد (1) فبالاطّلاع على نصّ هذا الأمر العليّ يتّضح أن إصداره كان بناء على راي مجلس الوزراء وبناء على طلب الوزير الأكبر رئيس الحكومة الذّي هو الحبيب بورقيبة فهو لم يكن ضدّ مبدأ التعويض الذّي هو ليس مكافأة عن النّضال وإنّما هو جبر عن الأضرار الحاصلة بسبب النّضال والتّي تلحق بالمناضلين وذويهم.

يعرّف هذا الأمر العليّ المقاوم بأنّه من عرّض حياته للموت في سبيل استقلال البلاد التّونسية وتحريرها في المدّة الزّمنية الممتدّة بين 2 مارس 1934 و 3 جانفي 1955 واستثنائيا يمكن اعتبار الحوادث الواقعة بعد تلك المدّة والرّامية لنفس الغاية وأضاف أنّ صفة المقاوم تثبتها بطاقة تسلّمها وزارة الدّاخلية.

يأخذ التّعويض شكل جراية ونصّ هذا الأمر على أنّ طلب الجراية يرفع الى وزارة الدّفاع الوطني خلال الاثني عشر شهرا الموالية لنشره وقد نشر في الرّائد الرّسمي عدد 11 المؤرّخ في 5 فيفري 1957 ثمّ بموجب القانون عدد 132 لسنة 1958 المؤرّخ في 23 ديسمبر 1958 تمّ التّمديد في ذلك الأجل الى 31 مارس 1959. (2)

و الجراية نوعان: جراية تعويضا عن الاستشهاد في سبيل الوطن وجراية تعويضا عن السّقوط البدني تقدّرها لجنة في وزارة الدّفاع الوطني يعيّن أعضاءها وزير الدّفاع الوطني ويصادق على قراراتها ويكون من بين أعضائها وجوبا طبيب وموظّف من وزارة المال ولا تقبل قراراتها الطّعن والاستئناف بعد مصادقة وزير الدّفاع الوطني عليها وقد حدّد هذا الأمر العليّ المبلغ المالي الأقصى للجراية «بمائة وثمانين ألف فرنك» تعويضا للسقوط البدني الذّي درجته مائة في المائة وتعويضا عن الاستشهاد في سبيل الوطن.

يستحقّ المقاوم المصاب بسقوط بدني التّعويض عن هذا السّقوط وتقدّر درجته اللجنة المذكورة أعلاه فيحصل على جراية تحال بعد وفاته لأرملته لكن لا تحصل الاّ على نصف المبلغ وتحال أيضا لأبنائه اليتامى بشروط بيّنها الفصلان الثاني والرّبع.

ويستحقّ جراية الاستشهاد في سبيل الوطن أرملة الشّهيد وأبناؤه وفي غياب الأرملة والأبناء تحال الجراية الى الوالدين فيحصلا معا على نصف المبلغ وأمّا إذا كان أحدهما متوفّى يحصل من هو حيّا على ربعها.
أخيرا اذا كانت الدولة التونسية الفتية وبموجب هذا الأمر تحملت بشجاعة تبعات أعمال التعذيب والقتل التي اقترفتها دولة الاحتلال الفرنسي ولم تبخل على أبنائها المناضلين بالقليل الذي عندها فمن باب أولى وأحرى أن تتحمل الدولة التونسية تبعات ما اقترفه تونسيون ضد إخوانهم من سجن في محاكمات صورية باطلة ومن تدمير لمسارات مهنية دون موجب حق ومن تعذيب وإخفاء وقتل…

•••

(1) يراجع الرّائد الرّسمي عدد 11 المؤرّخ في 5 فيفري 1957 ص: 200 و201
(2) يراجع الرّائد الرّسمي عدد 102-103 المؤرّخ في 23 و26 ديسمبر 1958 ص: 1589

اسطرلاب

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock