كم أشعر بالخزي !!
الخال عمار جماعي
لا أشكو ولا أحبّ ذلك.. ولكنّي حزين ! طول سيرتي المهنيّة لثلاثين عاما لم أعش هذا الإحساس بالسّوء والضيق والعجز والقرف ممّا يطفح به القلب أو ما تبقى منه.
في ظلّ الدكتاتورية، كان الدّرس في حدّ ذاته مقاومة وقول الوليّ المبجّل لك: “هذاكه ولدك، حاسبني بجلده !!” فتبتسم، مقاومة.. الوقوف في وجه المدير التجمّعي مقاومة.. إستغلال قصيدة للمتنبي لإسقاط أشواقك للحرية ومجد الكرامة وتلاميذك ينظرون إليك منبهرين مقاومة أيضا.. إحتضان تلميذك لك وقد أصبح أعلى شأنا منك ولكنّه يخجل أن ترى السيجارة في يده، مقاومة.. خجلك أواخر الشهر من فراغ جيبك فتأكل خبزا حافيا ولا تستلف، مقاومة.. خروجك من الدّرس منهكا ومنشغلا لعلّ بعض تلاميذك لم يفهموا جيّدا، مقاومة.. وقوف وليّ لا تعرف ولده بسيارته وهو يراك تدبّ بمحفظتك مثقل الكتفين ويقسم أن يوصلك إلى بيتك، مقاومة.. ضحكة تلميذك المشاكس مقاومة.. ضحكة تلميذتك الخجولة مقاومة.. كان هناك شيء عظيم إسمه “الأستاذ” !
كنّا نكتم غيظنا من زملاء لا يضربون معنا ليصبحوا مديرين ونظّارا ونتبرّع من خبز عيالنا لزميل أصابته نائبة ونرضى بالقهوة الفيلتر لأنها أقلّ ثمنا ونقف كبنيان مرصوص إذا تأذى أحدنا من الحاكم.. نطرح القضايا الكبرى ولا ننسى العراق وفلسطين ونربّي الأمل للجيل.. كنّا والله “زواولة ولكن بأنوف عزيزة” !!
اليوم وأنا أفتح “بالوعة التواصل” أشعر بخزي كبير.. بين وليّ لا يترك كلمة سوء إلاّ قالها فينا ووزير برتبة جنرال عسكري يريد تحويل المعاهد إلى ثكنات عسكرية تخضع للمراقبة والعقاب ونقابة تحرث في البحر وتلميذ تحرجني -والله- عيناه الزائغتان !! ودولة تجبي من جيوبنا وتصنع أحزابا للإنتخابات القادمة وفقاقيع من التجمعات بلا هوية ولا تاريخ وإعلام يزنى بنا كل يوم.. عن أيةّ مقاومة ستحدّثني اليوم ؟!
أصبحت أنتظر ساعة تقاعدي بفارغ الصّبر والله…
“الخال”