تدوينات تونسية

ما أرى لا ما أشتهي: حركة النهضة وغُرفة "الجِنّيْ"

بحري العرفاوي
المشهد السياسي التونسي ليس صناعة محلية خالصة،إنه التقاء المحلي بالخارجي وبتعبير أدق إنه فعل الخارجي في المحلي وبالمحلي،هذه حقيقة،هذا واقع وليس شتيمة، هل كان ممكنا أن يكون السياسيون أحرارا ؟ هل كان ممكنا دفاعهم عن السيادة الوطنية وهم يأخذون المساعدات ويطلبون القروض وهم عاجزون على حماية أمن الوطن والمواطنين مالم يتحصلوا على معلومات استخباراتية مستجمعة من نسيج استخباراتي فوق الأرض ولاقطات في السماء؟
هل كان بورقيبة رحمه الله عميلا؟ هل كان بن علي عميلا؟ إنهما فعلا لم يكونا يقرران بعيدا عن “الوصفات” الخارجية في السياسة والاقتصاد والثقافة والدين.
هل إن حكام ما بعد 2011 هم أصحاب قرار في السياسة والثقافة والاقتصاد وفي مواقفهم الخارجية؟ هل هم عملاء؟.
سيكون من السهل اتهام كل من “يتعامل” مع قوى خارجية بالعمالة، وفي هذه الحالة يسهل اتهام أي حكومة من حكومات ما بعد 2011 بكونها حكومات عمالة لكونها مرتهنة للجهات المانحة وخاضعة لاملاءات تلك الجهات حتى في تشريعاتها مثل المساواة في الميراث وحقوق المثليين وعدم تجريم التطبيع وغض الطرف عن الرحلات العلنية إلى القدس المحتلة عبر وسطاء ووكالات أسفار معلومة.
ماذا لو حكمت الجبهة؟ ماذا لو حكم التيار الشعبي أو التيار الديمقراطي أو تيار المحبة أو غيرها من الأحزاب، هل سينهض الشعب فجأة لتفجير مواهبه ومراكمة الانتاج وتحرير الاقتصاد من التبعية؟ هل ستنفجر ثورة معرفية وتقنية وقيمية تحقق تقدمنا العلمي والفلسفي والتشريعي والتقني والقيمي بما يرقى بنا إلى مستوى التمدن والتحضر وتوازن الشخصية؟
ليس تشاؤما أو يأسا ولكن أيضا لا يُجدي الوهم ولا يُجدي خطاب الحماسيين الصادقين يؤججون نار مواقدهم تحت قدرٍ من حصًى.
“مركبات” الحكم في البلدان التابعة ليست “سفينة نوح” بوحي من الله وأعيُنه ولا بنحت من الشعب ووعيه ورؤيته، إنها “مَرْكباتٌ” مُساقة سوقا لأطراف تُقدّر الدوائر “الفعالة” أنها قادرة على “اللعب” بما يجعل “اللعبة” ممكنة وذات فُرجة وجدوى للطرفين.
الذين يراهم “الكبارُ” مؤهلين للعب معهم ليسوا دائما “عملاء” بل قد يكونون وطنيين “أكفاء” يحسنون إدارة “اللعبة” مع “الكبار” بما يحقق مصالح هؤلاء وهؤلاء بمقادير متفق عليها أو ربما حتى مملاة.
حركة النهضة بما هي عليه من قوة تنظيمية ومن سرعة حركة وتكيّف وتعبئة ومرونة ومن نسيج علاقات نوعية إقليميا ودووليا ووطنيا أراها مؤهلة بل وأقدّر جازما أنها “مَدعوة” إقليميا ودوليا لـ”اللعب” مع “الكبار” في التحولات القادمة ولن يقدر عليها المولعون بممارسة “الضجيج” و”اللغو” فالسياسة راهنا -مع الأسف- ليست فنا جميلا ولكنها “لعبة” ناعمة ينتصر فيها دائما من يقدر على التسلل إلى غرفة “الجِنّيّة”.
الذين سيُشغلون أنفسهم بمزيد “اللغو” و”التهريج” سيكتشفون ذات صدمة أنهم إنما كانوا نائمين في محطة قطار لم تعُد -مُذْ سنواتٍ- مُهيّأةً لتوقف القطارات.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock