تدوينات تونسية

النهضة في مرمى النار

بحري العرفاوي
النهضة التي أحسنت تأمين وجودها السياسي منذ إنقلاب السيسي على الاخوان ورغم ما تعرضت له من محاولات جبارة لإخراجها من دائرة السياسة، هي اليوم في نفس مربع 2013 تقريبا حيث يصطف ضدها الباجي -وهو رئيس وليس مجرد معارض- واتحاد الشغل -وهو أكثر تمددا وتنظما- والجبهة الشعبية وهي أكثر تمثيلية في البرلمان، وبعض أحزاب دستورية -وهي أكثر جرأة وأعلى صوتا- ثم تدخل إقليمي -وهو أكثر انكشافا وأسوأ عورة-.
من هم حلفاء النهضة؟ وإلى أي حد يمكنها مواجهة خصومها؟ وما هي أدواتها في إدارة المعركة القادمة ؟ -وهي ليست معركة ديمقراطية إنما معركة وجود-.
جرت العادة أن النهضة تلجأ إلى قواعدها -منخرطين ومتعاطفين- كلما توجست تآمرا عليها وتحالفا ضدها، حشود 03 أوت 2013 بساحة القصبة كانت أضعاف أضعاف حشد 14 جانفي 2019 بشارع الحرية، كنت حاضرا ليلتها على المنصة وكانت لي كلمة ولكنني همست لأحد الاصدقاء: هل يمكن للأستاذ راشد تصريف هذه الحشود سياسيا؟ ماذا يمكن لهذه الحشود أن تفعل في معركة الأجهزة والمعلومة والإعلام والسفارات؟. الغنوشي قرأ المشهد يومها جيدا وصب الماء على رأس الجن مباشرة لإيقاف مشهد الصرع بساحة باردو… بمجرد أن أعاد الباجي عود الثقاب إلى جيبه توزع هشيم باردو بين الرياح وأصبح الغنوشي منقذا وسفير الديبلوماسية الشعبية.
الجن لا يموت ليس موقدا تطفئه النار… الغنوشي اليوم لا يجد الكيمياء المناسبة لـ”تخدير” هذا المارد العصي على “الإنزلاق”… يتكلم بعذوبة ويذبح بالقطن كما لو أنه من أصل فارسي.
لا أرى حزبا من الأحزاب يكون مبدئيا في علاقة بالنهضة حين يجدّ الجدّ، الشاهد أشبه بمستثمر سياسي برأس مال ربوي على ملك الغير، مرزوق أحد أولاد الجنية يتلبّس في أكثر من هيئة ولا تلامسه أيدي الآدميين من ساسة وقائلين بثورة وديمقراطية وشراكة وتحالفات.
جماهير النهضة بحماستهم واندفاعيتهم لم يجلبوا لها خيرا مع الأسف ولم يشتغلوا على السياسة والأفكار والمبادئ لتقريب الناس إليهم قبل دفع التهم عنهم، جمهور واسع عريض محسوب على النهضة ولا يمثلها رسميا مستفيدا من بركات الفايسبوك يخوض حروبا شعواء ويضرب على الاشتباه ولا يفرط من ينبس بكلمة يتسع لها صدر القادة وتضيق بها صدور “المحبين” و”المنتدبين” الجدد وعدد من “أقلام” الغشاسين.
بقاء النهضة لحد الآن وبعد محنة الإخوان في مصر وخيبة الإسلاميين في ليبيا وانحسارهم في المغرب وأزمتهم في سوريا، لا يعود لآليات الديمقراطية كما يظن كثيرون وكما نفاخر به جميعا، وإنما يعود أساسا إلى “وَصْفة” يتفق عليها “الكبار” لحد الآن كمُهَدِّئ للساحة التونسية لا بما هي مجال للاستثمار الاقتصادي والتجريب الديمقراطي والترشيد الإسلامي إنما بما هي مخزن “أرشيف” ومختَبَر تشريح ومنصة إطلاق التجارب كما هي دائما.
حركة النهضة التي هي حركة ذات امتداد شعبي لا يمكن أن تستفيد من جماهيريتها حين تكون “اللعبة” خارج مسار “الانتقال الديمقراطي” ولا يمكن أن تستفيد من العلاج الذي ابتكرته هي نفسها، علاج “التوافق”، لأن المتحالفين عليها اليوم سيحققون “توافقهم” بدونها بل وعليها.
حركة النهضة هي أكبر من حزب عَقَدي وهي أصغر من حكومة هي حركة تتحرك ضمن “مَركبة” إقليمية تتأثر بها ومعها وتؤثر فيها، هذه المركبة ليست الإخوان كما يريد خصومها إثباتَه إدانةً لا توصيفا، وإنما مركبتها مشكّلة من دول لها حضورها واستطاعت أن تُبدي مرونة في الاستدارة بعكس اتجاه العاصفة.
حركة النهضة في مرمى النار… فهل يقدر عليها خصومها؟
يتبع

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock