الأربعاء 18 يونيو 2025

الشاهد وعودة التوازن

أحمد الغيلوفي

في رسالته للدكتوراة “السلام والشرعية والتوازن” دافع كيسنجر على الأطروحة التالية: الثورات هي مجرد زُكام يصيب السيستام وسرعان ما يعود التوازن. علينا أن نفهم التحالف بين الشاهد والنهضة على أنه توازن “جديد” ولكن داخل نفس السيستام. لفهم ما يحدث اليوم لابد من قليل من التاريخ:

حكمت فرنسا بواسطة البايات (البلدية) ومن ورائهم.
بعد الإستقلال كان هناك صراع في البداية بين الوافد الجديد (السواحلية) والبلدية: الصراع بين الأمانه العامة (يسيطر عليها البلدية) والديوان السياسي. حسم بورقيبة الصراع لصالحه ولكنه لم يستطع الحكم إلا بواسطة البلدية لذلك تزوج وسيله بن عمار. ولم يهدد مصالح فرنسا.
بن علي حكم بنفس التركيبة. ولم يغير شيئا في المعادلة البورقيبية.
بعد 2011 حصل “الزكام”: هُددت مصالح السواحلية والبلدية وفرنسا وجاءت فسيفساء جديدة وغير متجانسة ومتصارعة تطالب بنصيب من السلطة والثروة. ولأنها خليط متصارع هُزِمت في 2014.

_ بقيت ثلاث “ماكينات” :

النداء: الذي يعبر عن مصالح الفئات المتنفذة قبل 2011. والذي أدرك أنه مُرغم بقبول شريك جديد في السلطة هو النهضة.
النهضة: أدركت بعد تجربة الترويكا أنها لا تستطيع أن تتواجد إلا مع الأقوياء القدامى لذلك خطب الشيخ وِد “وسيلة بن عمار”: رجال الأعمال وأثرياء البلاد. قانون المصالحة وقوانين المالية وعدم المساس بمصالح القوى الدولية. لن تغير النهضة شيئا في المعادلة القديمة مقابل قبولها كشريك “موثوقا به”.
الإتحاد: أراد تحييد النهضة مِرارا: بالحوار الوطني ثم بتحالفه مع الباجي ضد حلف الشاهد / النهضة دون جدوى. لقد أفسد الباجي وابنه كل شئ وذهب أغلب الندائيين للشاهد. الإتحاد أمام ورطة: لقد بقي وحيدا وهو يعرف أن انتصار النهضة/الشاهد يعني الإجهاز عليه. لا يستطيعان الحكم وتطبيق السياسات “الإصلاحية” مع إتحاد قوي ومتماسك، لذلك لا يريدان حل مشكلة الثانوي، إنهما يريدان كسر عموده الفقري. إما أن يُهادنهما -وهذا ما يفعله الآن بعد يأسه من الباجي- أو أن يتحول إلى قوة برلمانية ولكن تلك مجازفة كبرى، لو لم يجن شيئا في الإنتخابات سينتهي إلى الأبد. لذلك الأرجح أنه سيهادن مقابل ما تيسر من بقايا الموائد.

الخلاصة: تاريخ الدول المتخلفة الضعيفة دائري وليس تراكمي. بدأنا دائرة أخرى بوافد جديد هو النهضة وسوف يُصفقُ لها أصحابها ما صفق الدساترة لبورقيبة وما صفق التجمعيون للتغيير “وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان”.
نور الدين غيلوفي وسامي براهم اعتبروا ما كتبت قدرية سوداء وتشاؤما. لذلك أضيف: هناك طريق آخر يؤدي فعلا إلى نهضة تونسية ولكن لا يبدو أننا تهيّأنا له: كتلة تاريخية وعقد إجتماعي جديد. حتى لا تشعر النهضة أنها مُهددة وحتى لا يشعر اليسار أنه في خطر وحتى لا يدفع الخوف بالجميع إلى الإحتماء بالأجنبي لابد من عقد إجتماعي. ولكن لم نصل بعد لهذا.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

لا شيء.. لا شيء

أحمد الغيلوفي مالذي حدث؟ لا شيء .. لا شيء.. مجموعة من الهِمّال والجهلة وبسطاء الإمكانيات المعرفية …

أتركوهم يستريحون

أحمد الغيلوفي رسالة الي أصدقائي هم لا يستطيعون أبدا أن يشكلوا نمط خطاب وطريقة تفكير إلا …

اترك تعليق