مقالات

السياسة الخارجية التركية ودورها في استعادة نفوذها الإقليمي والدولي

ليلى الهيشري

الملخّص :
تعمل القوة التركية جاهدة على تأكيد دورها الريادي إقليميا ودوليا بتكثيف نشاطها وإثبات نجاعتها كوسيط في كل المناسبات الدولية التي يفتقر فيها إلى صوت إنساني مؤثر ولاسيما في تحديد مصير الدول العربية التي ترضخ تحت طائلة الإستغلال الإقتصادي والسياسي والعسكري، في أساليب تختلف عن أليات الإستعمار التقليدي الذي عرفه التاريخ في القرنين السابقين. ومن هنا إنطلق الحلم التركي بإعادة أمجاد إمبراطورية عثمانية كانت منارة علم ومدرسة ديبلوماسية عريقة وقوة عسكرية ضاربة، تحددت رؤية شمولية لسياسة تركية نسج خيوطها حزب تركي إسلامي راوح بين الحداثة والتأصيل السياسي الذي يقطع مع التبعية السياسية وانفصام هوية المجتمع التركي ليستعيد موارده ومكانته الطبيعية في محيط يحكمه الغرب المتحالف مع دول متواطئة في تأخير أمة إقرأ عن مسار التقدم والإزدهار بإغراقها في الحروب والإنقسامات والقيود الإقتصادية المدمرة.

المقدمة :

شكلت اتفاقية لوزان اهتمام الإعلام التركي والعالمي لارتباطها الوثيق بدوافع بناء الدولة ووضع سياستها الخارجية المبنية على نقل الوجود التركي من محيطها العربي الواقعي الى محيطها الغربي الافتراضي كجزء من مخطط استلهمت خطوطه العريضة من المدرسة السياسية الاتاتوركية القائمة على بناء دولة القانون والمؤسسات الواجب حمايتها بالقطع نهائيا مع الهوية الإسلامية لسبعة عقود من التغريبة العقائدية الممنهجة . وشاءت المتغيرات الزمنية في نهاية القرن الماضي أن تعيد قراءة الوضع السياسي التركي بما يتلاءم ومتطلبات المجتمع المسلم ليتحول التنظير السياسي العلماني من حل لبناء الدولة إلى عائق يحول دون تطورها ، ولقد شهدت ولادة أحزاب سياسية إسلامية بداية لنهاية العلمانية المتطرفة. كان فوز الإسلاميين في انتخابات 2002 بمثابة تحول نوعي في طبيعة النظام السياسي لأنقرة ، عملت من خلاله حكومات العدالة والتنمية طيلة ستة عشر سنة بكل براغماتية وذكاء عبر ، على توجيه برنامج سياسي متكامل لتحقيق طموحاتها الإقليمية والدولة كامتداد تاريخ حضاري للإمبراطورية العثمانية التي شغلت العالم وقادته في مرحلة زمنية ما متحدية زمن الانكسار التركي مباشرة اثر انهيار الإمبراطورية العثمانية . متحررة من قيود الإعانات الدولية والقروض الأوروبية ،و بفضل سياسة خارجية متشعبة في كل القطاعات الحيوية الأخرى، عملت الحكومات التركية الإسلامية على دحرجة الوضع نحو إعادة تموقع الجمهورية التركية في محيطها الضيق وكل مناطق العالم.

أهمية مبدأ السيادة في السياسة الخارجية التركية :

تعتبر سيادة تركيا على أراضيها من المبادئ التي يكفلها الدستور التركي منذ قيام دولة القانون والمؤسسات وذلك لدواعي مختلفة تتجاوز البعد الأمني الذي يفسر الدوافع التقليدية لمراحلة التمسك بذلك المبدأ ، اذ خرجت حكومات حزب العدالة والتنمية منذ تواجدها في الساحة السياسية التركية عن المألوف ، واعتمدت سياسة معقدة تتلاءم ومتغيرات الواقع السياسي المحيط بالدولة التركية إقليميا ودوليا ، عبر تثمين الشراكة بين مكونات الاقتصاد التركي والعلاقات الخارجية لتركيا حول العالم عبر تفاعل ايجابي في خدمة برنامج حكومي متكامل لبلوغ الحلم التركي.

دور الخارجية التركية في النهوض بالاقتصاد التركي :

تسعى الخارجية التركية عبر برنامج حكومي انطلق منذ 2002 إلى فتح الأفاق من خلال خلق أسواق إقليمية ودولية تتجاوز المتاح في تلك الفترة والذي لم ينجح في إخراج تركيا من أزمتها المالية والاقتصادية في تسعينات القرن الماضي. حير استحضرت حكومات العدالة والتنمية حلولا لا تتوقف عن آليات هياكل وقطاع محدود الموارد، إذ اقتضت القراءة الحديثة للعالم الاقتصادي إلى ضرورة التفاعل سياسيا مع هذا المجال لتحقيق نمو اقتصادي قادر على خلق الاكتفاء المالي والتجاري والطاقي والقضاء على المديونية.

توسيع مساحة الاستثمار والمبادلات التجارية

سعت الحكومة التركية إلى تسخير سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الاقتصادية كأولوية للنهوض بالدولة التركية وذلك عبر تكثيف الأنشطة الدبلوماسية في المناطق التي لم تستكشف بعد . ولقد سعى أردوغان مؤخرا وطيلة 2017 إلى القيام بجملة من الزيارات الرسمية في القارة السمراء وأهمها جنوب إفريقيا حيث شهدت فترة الزيارة حدثا اقتصاديا عالميا ، عرف باحتضان جوهانسبرج للقمة العاشرة لرؤساء مجموعة بريكس التي تضم جنوب إفريقيا، البرازيل ،روسيا الهند والصين. حيث تمت دعوة أردوغان بصفته رئيسا للدورة التاسعة لمنظمة التعاون الإسلامي آنذاك. وكان لذلك الحضور دورا هاما في تقريب العلاقات مع هذه القوة الاقتصادية التي تريد فرض نفسها كبديل عن القوى الغربية الأخرى . كما جدد أردوغان زياراته للقارة الإفريقية في صائفة 2018 ، كما أكد أثناء زيارته للسودان على ضرورة تركيز هياكل دبلوماسية في كل دولة أفريقية. وهكذا نجحت السياسة الخارجية التركية في توسيع نطاق نشاطاتها بعد أن تضاعف عدد السفارات في إفريقيا بين 2003 و 2018، من 9 سفارات فقط الى 41 سفارة ، وسيتم إنشاء سفارات جديدة في كل دول القارة لتزيد من مردود الاستثمارات والتبادلات التجارية المنبثقة عن جملة الاتفاقيات الثنائية التي تبرمها تركيا بفضل تلك الأنشطة الديبلوماسية ، وهو عبارة عن نجاح ديبلوماسي منقطع النظير أشار اليه أردوغان في كلمته التي القاها خلال منتدى العمل والاقتصاد التركي الإفريقي المنعقد في 11 أكتوبر 2018 ، بتصنيف تركيا في المرتبة السادسة عالميا من حيث شبكة بعثاتها الديبلوماسية حول العالم.

تركيا طرف رئيسي في النزاعات الإقليمية

أكدت تركيا على أهمية التركيز على عملية البحث والتنقيب على الموارد الطاقية التي ترجع ملكيتها وحقوق استغلالها للدولة التركية ، وكانت تلك في أولويات الحكومة في هذه الفترة بعد أن حققت انجازات صناعية كبرى تعد صناعة السفن الحربية والسفن الأهداف المعدة للتنقيب عن الطاقة من أهمها ، ولقد عمدت الحكومة التركية إلى الآن لسفنها المدعومة بحماية عسكرية إلى استكشاف المياه الإقليمية التركية ، حيث عملت على طمأنة الجارة اليونانية والمجتمع الدولي في عدم نيتها خرق أي معاهدة أو تجاوز اتفاقية ثنائية أو دولية تمس من السلامة الإقليمية للمنطقة عبر اعتماد سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار ، و اكتفت بعملية التنقيب دون المرور إلى مرحلة الاستخراج لأنها مكفولة بمعاهدة لوزان المنتهية سنة 2023، بل ستكتفي حاليا بعمليات الاستكشاف إلى حين انتهاء المعاهدة ، لتسترجع المناطق التي لها كل الحق في استغلالها واستخراج الموارد الطاقية الضرورية والتي أصبحت تشكل إحدى ركائز القوة في العالم وورقة فاعلة في الضغط على المنافسين لتثبيت المصالح الإقليمية والدولية، خاصة وان تركيا تعمل على تمرير أنابيب الغاز الطبيعي إلى الجنوب الأوروبي وتوسعة مشروعها العملاق المعروف بالسيل التركي، ومد القارة العجوز بالغاز الروسي من خلال الأرض التركية، خاصة مع تزايد طلب الدول الأوروبية كايطاليا على الغاز الروسي.

معالجة الخارجية التركية للملف الأمني الحدودي التركي –السوري :

تحولت ملامح الثورة الشعبية السورية الى محرقة شردت سكان البلد واستقبلت مليشيات من المقاتلين الأجانب بمختلف الإيديولوجيات والمراجع السياسية والعسكرية. وفي خضم هذه التعقيدات، قدمت تركيا للمعارضة السورية وللشعب التركي بمختلف أطيافه الدعم اللوجستي والسياسي واللجوء الإنساني في معسكرات حدودية. ولقد شكل الترابط الحدودي السوري التركي من جهة والعراقي من جهة أخرى تهديدا امنيا لتركيا لإعادة تقسيم المنطقة.

دعم الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب في المثلث التركي والعراقي والسوري:
شهدت السنوات الأولى من الثورة ردود فعل ميدانية على المستوى الحدودي بين الجيشين التركي و السوري من خلال تطور المعارك والعمليات الإرهابية بعد مرور أشهر قليلة على اندلاع الثورة وتتواصل التهديدات الأمنية الحدودية ضد تركيا إلى اليوم . وتبلورت الرؤيا الإستشرافية للخارجية التركية نهاية 2011 حول الملف السوري في بعض الطلبات التي تقدمت بها تركيا للمجتمع الدولي في ضرورة تدخلها عسكريا على المستوى الحدودي مع سوريا لبناء منطقة عازلة، وكررت طلبها رسميا إلى مجلس الأمن في أوت 2012، وذلك بحثا عن غطاء ودعم دولي .

ولقد شكل تدخل قوات الحلف الأطلسي في الشأن السوري عبر تنظيم عمليات عسكرية جوية بمشاركة تركيا كعضو في الحلف الأطلسي وذلك سنة 2015 لمواجهة العدوان الإرهابي والتهديد المتصاعد لداعش حول العالم . ورغم قدرتها قانونيا على التدخل العسكري بموجب اتفاقية أضنة الممضاة سنة 1996 مع النظام السوري ، إلا أنها خيرت البحث عن حلول أكثر شرعية .

ومع زيادة عدد اللاجئين في المخيمات الحدودية التركية ، وتصاعد تهديدات التجمعات الكردية في الجانب السوري المدعومة بالجناح العسكري للحزب التركي المحظور حزب العمال الكردي ، ارتأت تركيا التحضير لعمليات عسكرية ميدانية تواصلت بين 2015 و 2018 او ما يعرف بعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

تركيا دولة ضامنة لعملية السلام في سوريا :
تكمن أهمية الوجود التركي العسكري في قدرته على جمع الأطراف المتنازعة وإجبارهم على الحوار ، ووضعت حدا للتمادي غير المحسوب للقوى الكبرى كإيران وروسيا في السيطرة على الأراضي السورية تحت غطاء الجيش النظامي السوري الذي استنزفت قواه وتحول إلى مجرد فاعل صوري . كما تصدت للمشروع الأمريكي الفرنسي الكردي ببناء كردستان سوريا كجزء من مشروع اكبر يعنى ببناء دولة على مثلث حدودي يجمع الأقليات الكردية في سوريا وتركيا والعراق ، والذي شبهه بعض المحللين العرب بإسرائيل الجديدة في المنطقة العربية ، فحولت تركيا النجاح الساحق لعملياتها الميدانية المدعومة بالجيش السوري الحر احد أهم أيقونات الثورة السورية ، إلى ورقة مساومة دبلوماسية مع تلك الدول المنافسة متصدية لكل عملية تفكيك لوحدة الأراضي السورية حتى إنها اعتمدت سياسة مرحلية غيرت فيها بعض المعادلات تماشيا مع الطبيعة المعقدة للازمة المتواصلة على مدى أكثر من 7 سنوات ، استطاعت بالتشاور والتعاون مع روسيا وإيران وبحضور الولايات المتحدة الأمريكية وممثل منظمة الأمم المتحدة والمملكة الهاشمية الأردنية في محادثات أستانة1 و 2 بلوغ مرحلة الاتفاق على وقف إطلاق النار في الساحة السورية وتأمين أربع مناطق لخفض التوتر ،عبر تنظيم دوريات مشتركة بعد سنوات من المعارك المتواصلة رغم بعض العمليات الخطيرة التي عرقلت مسار هذه التهدئة ومن أهمها ما نسب إلى النظام السوري من هجوم كيميائي نفذه على منطقة دوما في مطلع 2018 ، جاء فيه الرد من القوات الجوية الفرنسية والبريطانية .

وبعد المجهودات الدبلوماسية للخارجية التركية في معالجة الملف السوري ،نجحت تركيا في إعلان بيان موحد بين القوى المشاركة في القمة الرباعية بإسطنبول في مطلع نوفمبر 2018 ، يقتضي منع تقسيم سوريا مقابل أهمية البحث في الحلول السياسية ، وهو عبارة عن بوادر حل للملف الكردي الذي يمثل الدافع الحقيقي وراء ما تقدمه من مساع حثيثة لإحلال السلام في سوريا .

تمركز تركيا في العمق الاستراتيجي للتحالفات الإقليمية والدولية :
تسعى تركيا في العشرية الأخيرة إلى فرض وجودها في مناطق النفوذ التقليدية حول العالم وخاصة منها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية ، كما تحاول استرجاع العلاقات مع الحليفة الأوروبية التي جففت ينابيعها منذ تولي حزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الإسلامية الحكم في تركيا .

تراجع السياسة الخارجية السعودية والتدخل التركي في المنطقة العربية

تقوم المصالح الأمريكية على إخضاع الدول التي تتمركز في مواقع جيو- إستراتيجية ، عبر تقنية السياسة الناعمة منذ انتهاء العمل بسياسة الحروب المباشرة اعتمدت سياسة القروض الدولية والإعانات الغذائية والحماية العسكرية ونشر الثقافة الغربية . ويعد الشرق الأوسط من أهم المواقع التي استأثرت بها الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث شكلت جملة من التحالفات السياسية والأمنية دعمت حضورها المطلق عبر استقطاب القوى الخليجية التي تملك ثلثي ثروات المنطقة من الطاقة و المحروقات ،فكان الفضل كبيرا لدول مجلس التعاون الخليجي وأهمها المملكة العربية السعودية في تجذر الوجود الأمريكي .

تثمين دولي الوساطة التركية في الأزمة القطرية :

اهتمت السياسة الخارجية التركية بالعديد من الملفات الخليجية العالقة والتي تؤثر سلبا على الموارد الطاقية في المنطقة والاستقرار الاقتصادي والمالي لما تمثله كتلة الدول الخليجية من ثقل في توجيه المعاملات التجارية والاستثمارات حول العالم وتداعياتها على الأسواق المالية العالمية . وهو ما عبر عنه وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو في تصريح للخليج أونلاين بتاريخ 05 جوان 2017 حيث أكد على أهمية عودة العلاقات بين الدول العربية الخليجية إلى طبيعتها إلى ما قبل الحرب اليمنية والحصار القطري وان في استقرار منطقة الخليج استقرار لتركيا.

ولقد اثأر الملف القطري اهتمام الخارجية التركية، فقد سعت لمناسبة عدة إلى إعادة الوفاق في البيت الخليجي بعد توتر العلاقات بين المعسكر السعودي المتكون من المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين ،وبين الجار القطري، ولقد تسببت تلك الأزمة في قطع العلاقات معها ووضعها قيد الحصار الكلي، حيث عبرت تركيا عن رأيها في عدم انقيادها وراء حملة التحريض ضد قطر بل قدمت نفسها كوسيط متطوع لراب الصدع وأمام فشل المحاولات المباشرة عملت تركيا على تبني مقاربة أكثر واقعية تتماشى وطلبات المتنازعين في إبقاء الأزمة في البيت الخليجي حيث دعمت الوساطة الكويتية كبديل . وفي المقابل نجحت تركيا في استقطاب التعاون القطري وتدعي التشاركية الاقتصادية والعسكرية والمالية باعتبارها من أهم المنافذ التي استغلها قطر في الخروج من أزمة الحصار الشامل .

ولم يقتصر الدور التركي على الوساطة بل على إثبات دعم مباشر لقطر الحليفة التي سمحت لتركيا منذ 2014 ببناء قاعدة عسكرية وهو إعلان قطري رسمي على أهمية القوة التركية في إحلال التوازن في منطقة الشرق الأوسط ورفضها للسيطرة التامة على المنطقة من طرف التحالف التقليدي السعودي الأمريكي.

الموقف التركي من حرب اليمن :

قررت تركيا الخروج عن صمتها في تحول جذري لموقفها من الحرب اليمنية بعد تعمدها عدم الخوض في كل ما يتعلق بالمصالح السعودية باعتبارها حليفا قويا في منطقة الخليج ، عبر توجيهها لأول نقد رسمي للتواجد السعودي الإماراتي في اليمن بل شددت على لسان وزير خارجيتها في تصريحاته التي نقلتها جريدة زمان التركية بتاريخ 15 نوفمبر2018 حول دعم الموقف التركي لجهود الأمم المتحدة وكل الإطراف المؤمنة بضرورة وقف الحرب عبر الوساطات الدبلوماسية ومنها سلطنة عمان وإيران. ولكن مع تعكر الأوضاع الإنسانية وتمادي المملكة العربية السعودية والإمارات في انتهاج سياسة حصار غير متوازن من جهة ومع تواصل الإمارات استحواذها على بعض المناطق الإستراتيجية في اليمن وخاصة لممرات الملاحة الدولية في اليمن ، توصلت تركيا إلى ضرورة إعادة النظر في مستوى تدخلها الذي لم يعد يقتصر على المساعدات الغذائية والإنسانية المتعارف عليها، إذ انتهجت سياسة رسمية تعتمد اولوية دعم الحكومة المنتخبة وكل من يساندها من أحزاب سياسية تعمل على إحلال السلام في اليمن ومن بينها الحراك الجنوبي رغم تأكيدها المتواصل على موقفها الواضح من العمليات الارهابية للحوثيين . وأمام حملة الاتهامات التي وجهت لتركيا من دولة الإمارات العربية المتحدة المتعلقة بدعم حزب الإصلاح والذي يعتبر الجناح الإسلامي المتشدد في اليمن، والتي لم تحاول تركيا نفيها أو تأكيدها تشكل هذه الورقة وسيلة ضغط ميداني على التواجد الإماراتي غير المحدود. والذي قد يهدد وحدة الأراضي اليمنية .

شرط تكافئ القوى في العلاقات التركية الأوروبية ما بعد الانقلاب :

لم تعد أنقرة بعد انتخابات 2002، تلك الدولة التي تستجدي رضاء القوى الغربية رغم أهمية المصالح المتبادلة التي تربطها بالقارة العجوز والعم سام ، حيث شهد التحول المبني على قيام دولة مستقلة ومتحررة من كل القيود التي تسمح لتلك القوى الإقليمية بالتحكم في قرارات تركيا وتحالفاتها ، فقد أصبح شرط التكافئ مبدأ لا يتجزأ خاصة في التعاطي مع الملف الأوروبي

أهمية الدور الاستراتيجي لتركيا في اقتصاديات الاتحاد الأوروبي :

شهدت العلاقة التركية الأوروبية حالة من التأزم انطلقت شرارته مع رفض البرلمان الأوروبي لطلب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بعد تقييم ملفها عبر جملة من القوانين والإجراءات التي تسمح للاتحاد بمراقبة وتقييم مردود الدولة صاحبة الطلب في ملفاتها السياسية ، القانونية ولاسيما حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، الملف الاقتصادي والملف الثقافي والذي كان السبب الأساسي لهذا الرفض. إذ شكلت الهوية الإسلامية للمجتمع التركي المتقاطع كليا مع الهوية الثقافية الأوروبية احد أهم أسباب هذا الرفض، الذي قد يؤثر سلبا حسب بعض السياسيين على عملية الانصهار الكامل لدول الاتحاد رغم ما توفره تركيا من خصائص ايجابية قادرة على خدمة مصالح دول الاتحاد الأوروبي ، فهي عضو فاعل في الحلف الأطلسي، وسوق تجارية كبرى للمنتوج الاوروبي فضلا عن موقعها الجيو-استراتيجي الرابط بين قارتين والمترامية إطرافها على الحوض المتوسط. كل تلك المميزات لم تشجع البرلمان والقوانين المحلية للدول الأعضاء على الاعتراف بها رغم قبول العديد من دول أوروبا الشرقية بعد التغاضي على شروط أساسية، في اشارة إلى حالة التمييز المتعمد حسب تصنيف ديني.

ورغم ذلك الاستقرار الضروري، شاءت الإحداث الأخيرة إن تصعد من أجواء التوتر بين الطرفين ، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي من الانقلاب العسكري الأخير بإسطنبول في 15 جويلية 2016، موقفا لم يكن في مستوى تطلعات أنقرة ، إذ عبر الساسة الأوروبيون عن عدم رضاهم عن التدابير التي طالت كل الإطراف المتورطة في هذا الانقلاب، عبر حملة اعتقالات استهدفت سياسيين وإعلاميين وعسكريين فضلا عن إصدار قرارات بالطرد والعزل من الوظائف الحكومية .حيث اعتبرت تلك الإجراءات خرقا لمبدأ حقوق الإنسان ومساسا بالحريات الشخصية والأساسية ،وتسييسا ممنهجا لعقيدة الجيش التركي. عرفت العلاقات التركية الأوروبية بعد سنتين من القطيعة ، انطلاقة جديدة أساسها الوعي المتبادل بأهمية المصالح المتبادلة بين الطرفين إنعاش تلك المصالح المتبادلة ولاسيما الاقتصادية والتي كثفت جملة من المفاوضات بين الجانبين أسفرت عن إعلان الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير استثنائية تجاه تركيا وتمكينها من جملة من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والحدودية كتدعيم المعاملات التجارية مع تركيا ورفع التأشيرة على المواطنين الأتراك وإعفاء السلع التركية من بعض الإعفاءات الجمركية، والتي تجعل منها حليفا مميزا، كبديل عن طلب العضوية الذي لازالت تركيا متمسكة به.

دور القمة الرباعية في دعم الموقف التركي :

شكلت القمة الرباعية حدثا استثنائيا في قصر وحيد الدين بإسطنبول في أكتوبر 2018، حيث جمع بين ثلاث قوى عظمى في أوروبا ، ألمانيا ، فرنسا وروسيا ، لدراسة المستجدات السورية والبحث في أسس التعاون الجدي لحل الأزمة ، ولقد ساهم الاجتماع الرباعي لقادة هذه الدول بتنظيم تركي في الوصول الى بعض القرارات المؤثرة في مسار العلاقات الخارجية لتركيا في الملفات الإقليمية الشائكة، واعتباراها بديلا عن القوى التقليدية التي كشفت الإحداث السياسية الأخيرة محدودية مواردها الديبلوماسية والعسكرية في إدارة الصراعات المعقدة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية. حيث تزامنت هذه القمة مع نهاية الأزمة التركية – الأمريكية التي بدأت أطوارها منذ حادث الانقلاب العسكري الأخير، وتزامنا مع واقعة القنصلية السعودية أو ما يعرف بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، ونتج عن تلك المشاورات الرباعية اتفاقا حول ضرورة حل ملف اللاجئين الذي يشكل أزمة تتشارك فيها العديد من الأطراف وأهمها تركيا وألمانيا وفرنسا، رغم محاولة الجانبين التركي والأردني احتواء ملايين اللاجئين الذين يتزايدون في معسكرات اللجوء هربا من القتل والقصف. لذلك اعتبر المجهود التركي في هذه القمة استثنائيا ومثمرا ولقد اعتبره مركز «vladi club» خبرا سارا قد يشكل انفراجة مستقبلية لان البيان الصادر عن هذه القمة حمل في طياته موافقة بالإجماع بين الحضور والإطراف السورية المعنية بالنزاع ، على احترام وحدة الأراضي السورية وظرفية التواجد العسكري للقوات الأجنبية فيها.

وفي بادرة غير مسبوقة عمدت الخارجيتين الفرنسية والألمانية على تنسيق المواقف مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها عنصرا فاعلا ومسيطرا على مناطق إستراتيجية في سوريا ،ولقد اعتبره الباحث الروسي قسطنطين ترويفزتيف الباحث في معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم ،توافقا بالغ الأهمية يعكس جملة المبادئ الأساسية المتفق عليها في جل المحادثات التي أجريت لمعالجة الملف السوري، عبر تقارب ثنائي لدعم مجهودات محاربة الإرهاب في إدلب وشمال اللاذقية وشمال حماة وضواحي حلب للتوقي من أزمة لجوء جديدة قد تزيد الأوضاع الإنسانية تعقيدا ، كمرحلة أخيرة قد تسبق عملية إعادة الإعمار .

الخاتمة :

اقتحمت تركيا مضمار السباقات الدولية وتحولت الى تهديد مباشر لمصالح القوى الإقليمية والدولية التي تحدد الملامح الكبرى لخارطة العالم حيث استكملت كل المراحل الضرورية لبناء دولة قوية قادرة على منافسة الاتحاد الأوروبي وروسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى .باحثة عن تموقع يعزز مصالحها ويحمي لحمتها وأمنها الحدودي ، نجحت السياسة العامة لأنقرة في بعث مخطط سياسي يدفع بالسياسة الخارجية إلى فتح الآفاق للاقتصاد المحلي عبر دفع عجلة الاستثمار والتخلص من قيود المديونية للصناديق الدولية والرفع بمستوى النجاعة الدبلوماسية في التفاعل مع كل الملفات الإقليمية والدولية الهامة .فتحولت إلى قوة متصالحة مع محيطها الطبيعي العربي مع المحافظة على مكتسباتها نتيجة التقارب مع الجار الأوروبي . منتصرة على كل العراقيل ، جاء النجاح التركي على حساب الحريات والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان عندما استهدفت اعلاميين وسياسيين وموظفين سامين بالدولة بحملات اعتقالات وعزل تعسفية كرد فعل على الانقلاب العسكري في صائفة 2016.وهي من العوائق التي قد تضعف حظوظ تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

باحثة في الدراسات القانونية

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock