مقالات

أردوغان يدفع تونس إلى الأخذ بزمام الأمور

ليلى الهيشري

أردوغان يدفع تونس إلى الأخذ بزمام الأمور تجاه القضية الليبية، ويدفع بليبيا الى الاعتماد على الحكومة التونسية للخروج من مأزق التقسيم والحروب، فهل من مستجيب ؟
وما لم يفهمه بعض التونسيين أن أردوغان ليس في حاجة لتونس بقدر ما نحن بحاجة لتدخله في المنطقة لإحلال بعض التوازن الذي افتقد حاليا، وهو أمر جلي ومنطقي في حضور لاعبين أساسيين تقليديين، الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وروسيا.

اولا : ما تقدم به من امكانية مساعدة تونس اقتصاديا لا يعني بالضرورة انه متطلع بشغف إلى الاستفادة من التبادل التجاري مع تونس لانه بلغة الأرقام، لا يدفع أية إضافة لدولة تشعبت أذرعها حول القارات الخمس في مجال الاستثمار والتجارة.

ثانيا : البوابة التونسية كانت ولازالت تمثل لسياسة أردوغان الرمز الذي بفضله حلت عقدة التخلص من العبودية والاستعمار الغربي للعرب والمسلمين، خاصة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ولقد ساهمت تونس في تحرير منطقة شمال إفريقيا من التعتيم الأمني والإعلامي والاقتصادي المقصود خاصة من فرنسا التي كانت ولازالت تسيطر على هذه المنطقة في إطار التفاهم التقليدي والتقسيم الغنائمي بين القوى الكبرى في القرن العشرين والذين كان لهم دور في إضعاف تركيا واجبارها على اتفاقية الذل والخضوع لتركيا زمن كمال أتاتورك في سبيل التخلص من الاستعمار وتقسيم البلاد.

ثالثا : الوضع الليبي المتفجر والذي حضر فيه كل اللاعبين الدوليين الذين شاركوا بثقلهم في تدمير سوريا ومحاولة تدمير ما بقي من العراق وذلك في سبيل احياء الشرق الأوسط الجديد أو ما يشبه بدولة الامويين في الاندلس في آخر سنواتها قبل ان يخضع ابو عبد الله لسيطرة الاسبان والخروج نهائيا من اوروبا، حيث تتدافع الولايات المتحدة وروسيا الى دعم الفيدرالية والتقسيم الترابي والثرواتي كما خيل لهم أن يطبقوه في العراق للاستئثار بثروات ليبيا بعد ان قاب قوسين أو أدنى استنزفوا ثروات الشرق الاوسط وتعالت أصوات الورثة الحقيقيين للمنطقة كإيران مثلا.

رابعا : الدعم “الاردوغاني” الذي لا يتوافق ورأي الفرقاء الأتراك الصانعين للعبة الخارجية التركية، يصب في خانة دعم الاستقرار للإبقاء على اعلى مستوى من السلم في الدول العربية وتجنب الهجرة التي صبت في حدود تركيا، الملاذ الوحيد للمسلمين في هذه الفترة، خاصة في غياب أي طائفية أو انقسامات طبيعية تقتضي تقسيم ليبيا وطرحها على مزاد علني دولي لاقتسامها حسب الجهات والمناطق.

الملخص
أردوغان يعلم جيدا ان العالم يتوجه بعين الاهتمام إلى ثروات أفريقيا، التي كانت لعقود تحت رقابة واستغلال فرنسا ورغم أهمية الموارد التي توجد في دول أفريقيا يعد اليورانيوم أهم كنز قد يحصل عليه الأقوياء، لزيادة تدعيم ترساناتهم العسكرية وتطوير اسلحتهم ودعم تواجدهم كمصنعين للاسلحة الخطيرة والثقيلة، وهاهم يحطون كالغربان الجائعة على أرض ليبيا، على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التونسية، ومستعدون لاعطاء صافرة الانطلاق لحرب جديدة، قد تبدأ بليبيا لتنتهي في وجهة غير معلومة في قارة أفريقيا، وهو ما يجب تجنبه.

المهم أن أردوغان يقوم الآن مقام الخارجية التونسية التي كان يقع علي عاتقها التدخل الجدي في الشأن الليبي لما يمثله من خطر محدق، بينما نحن بصدد الاهتمام بشأن سياسي جمع بين ما يعرف إعلاميا بصفوة القوم ولكن تغيب عن عقولهم في الواقع البرامج والمخططات ذات البعد المعقد، فهذا كلف من قبل أخيه وذاك من طرف أبيه وذاك منع من طرف زوجته، ونحن لازلنا نعاني من رداءة مردود سياسيين لم يعد يستجيبوا الى تحديات العصر الحديث ولا إلى الحلول التي يجب تطبيقها لتجنب الكارثة الكبرى على المستوى الداخلي بينما يتربص بنا خطر لا يمكن لنا ان نتحمله أو أن نرده حتى ولو تجند 12 مليون تونسي على الحدود، لأنها حرب عقول وكفاءات وموارد وتكنولوجيا تفوق قدراتنا بآلاف السنين.

رجب طيب أردوغان أصبح يمارس دور العراب الحقيقي للقضية العربية، فقط اتساءل عن مدى استجابة القادة العرب إلى استماتته في الدفاع عن نوع من البشر يشترون الحروب والانقسامات فيدفعون ثمن دمارهم من ارواحهم واموالهم، لأنهم لم يتعودوا على القيادة والانفتاح على العالم جهلا أو خوفا من افتضاح أمرهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock