تدوينات تونسية

التوازن والمنافسة والإستئصال والإنتقال

سفيان العلوي

فرض الإنتقال الديمقراطي ما بعد الثوري في تونس مشهدا سياسيا قلقا لم ينجح إلى حد اللحظة في تفكيك منظومة الإستبداد وإرساء تشاركية ديمقراطية صلبة رغم المكسب الدستوري ومقومات النجاح العديدة.

تقف وراء التعثر عوامل موضوعية عديدة داخلية وخارجية ولكن هذا لا يحجب خللا عميقا في الممارسة السياسية للفاعلين والفرقاء واستراتيجياتهم الميدانية. هذه الأخيرة لا تخرج في نظرنا عن ثلاث تصورات للمشهد الحزبي كقاعدة لممارسة ديمقراطية.

المنافسة الحزبية: وتتطلب قدرا من التنظم والهيكلة والتكافؤ والإعتراف المتبادل والإنضباط للقانون ووضوح الرؤية وهذا لا يلغي تشابك المصالح وتعقيد الواقع وتفاوت إمكانات التعبئة والإختراق ولكن يستوعب كل ذلك ويتجاوزه بضبطه.

• التوازن: لا تستقيم ممارسة ديمقراطية دون قدر من التوازن بين الأحزاب والقوى الوطنية المنخرطة في الفعل السياسي. يفتح التوازن على التحالفات وتقارب الأحزاب التي تشترك في المواقع الإجتماعية والرؤى وتتجاوز النرجسيات. والتوازن شرط للتداول والإستقرار وإيجابية الحراك.

الإستئصال: هو عبارة عن قتل سياسي رمزي للمنافسين قائم على عدم الإعتراف وعدم الإستعداد للمشاركة إلا في غياب الآخر ولن يعدم أصحاب هذا الخيار الحجة ولا الرهان ولا الأسباب. وقد لا يفيد تجريم التصور الثالث أو إنكاره بقدر ما يهم فهم دواعيه ونقله من الممارسة المباشرة إلى التشريح الفكري والمعرفي والإشتغال على الوساطة لتقريب وجهات النظر وترك باب الحوار مفتوحا.

واذا كان الجميع متفقون على إنكار العنف وتجريمه وعزله بدليل الإجماع على رفض الإرهاب فمن باب أولى تحرير الخطاب من العنف والشيطنة والتخوين والمغالطة. وإذا تعذر الوصول إلى التوازن المطلوب للمنافسة فإفساد كامل اللعبة الديمقراطية وخلط الأوراق والأدوار ليس في صالح أحد سوى الإستبداد المتخارج والعميل وصناعة الفوضى والتطبيع معها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock