أحمد القاري
“فصل الدين عن السياسة” ترجمة خبيثة للتعبير الغربي “فصل الكنائس عن الدولة”.
وهو ليس الترجمة الخبيثة الوحيدة لمفاهيم غربية إلى تعبير لا يقابلها في العربية.
يتم استخدام تعبير “فصل الدين عن السياسة” لتبرير التنكيل بالمحافظين في البلدان المسلمة.
أول تطبيق واسع لفكرة “فصل الكنائس عن الدولة” كانت في الولايات المتحدة. وسببها كثرة الكنائس والخوف من استبداد إحداها بالدولة وتسبب ذلك في كوارث وحروب.
ولم يتم الإشارة إلى إبعاد الدين من المجال العام. وكيف يمكن إبعاده وهو أهم عناصر الهوية والثقافة وأكثرها تأثيرا في حياة الناس.
لا ينتبه المثقفون المعادون للهوية المسلمة إلى أن الدين هو أهم مؤثر في الانتخابات الأميركية. وأن تأثيره علني واضح. وأن المتدينين وخاصة طائفتهم الأكبر والأكثر تطرفا (الإنجيليين) يصوتون بنسبة كبيرة للحزب الجمهوري.
وتستخدم الكنائس والمساجد لتسجيل الناخبين ومكاتب للتصويت والكنائس من أهم الأماكن التي يلقي فيها المرشحون خطابات موجهة للجمهور.
وتتمتع جماعات الإخوان المسيحيين في أميركا بإعفاء ضريبي تام. ولا يمكن للحكومة التدخل في محتوى ما يقدم في الكنائس ولا في نظام عملها وتعتبر كنائس جماعة الإخوان الكاثوليك تابعة تنظيميا وقانونيا لجهة أجنبية (الفاتيكان).
ومن مظاهر التدين توفر الكونغريس بغرفتيه على “إمام” يتلو دعاء عند بدء كل جلسة.
وتبدأ برلمانات مسيحية أخرى عديدة كل جلسة بدعاء. مثلا: برلمانات كندا، أستراليا، بريطانيا، هولندا.
ويسمح بتأسيس أحزاب على أساس ديني. بما في ذلك في فرنسا نفسها حيث يوجد الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب مسلمي فرنسا.
ويجب التذكير بأن قانون الفصل بين الكنائس والدولة الصادر في 1905 في فرنسا لا يشير مطلقا إلى إبعاد الدين من الشأن العام والتأثير فيه. ولكنه هدف لاسترجاع القطاع الصحي والتعليمي من الكنيسة الكاثوليكية التابعة لكيان أجنبي (الفاتيكان).
واليوم تحكم أحزاب مسيحية عديدة دولا أوربية أو تشارك في حكمها. ويتزايد نفوذ الكنائس وتأثيرها في الشأن العام. وهي لا تخفي ذلك.
كما تجمع دول غربية عديدة الضريبة للكنائس وأمثلة منها: السويد، النرويج، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، الدانمارك.
لذلك كفوا عن استخدام عبارة “فصل الدين عن السياسة” وقولوها صراحة “فصل المساجد عن السياسة” لكن متى كانت المساجد تتدخل في الشأن السياسي ونحن لا نتوفر على سلك رهبان وعلى تنظيمات كنسية هرمية؟
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.