الترحّم على المبدعين
عبد القادر عبار
في ظاهرة الترحّم على المبدعين (حنّا مينا مثالا).. الرأي الآخر:
موت المبدعين أدباء وفنانين يجدّد في نفوس مريديهم جذوة العشق الصادق ويؤجج فيهم نخوة الهيام العذري بصورهم، والغرام بتراثهم وبصماتهم وآثارهم قديمها وحديثها.. مما يجعل مداد أقلامهم ينهمر بجميل الثناء عليهم ومدحهم والتعريف بخصالهم وميزاتهم.. كما قد تلهج القلوب بالترحّم عليهم.. وهذا من حقهم ولا يملك أحد تحجير ذلك عليهم.
ولكن مربط الفرس هنا هو في إشكالية الترحّم على من مات من هؤلاء المبدعين الذين اختاروا الإلحاد أو الشيوعية أو النصرانية.. ثم ماتوا عليها.. هل يجوز للمسلم المعجب بإبداع هؤلاء في إنتاجهم الروائي والقصصي والفني.. إذا كتب عنهم وتحدث عن قيمهم الفنية والأدبية أو ذكرهم بخير وحب.. أن يختم بالترحّم عليهم وطلب المغفرة لهم ؟ ليس هذا من باب تضييق ما وسّع الله.. ولكن من باب “أحبّ أن أفهم”.
الله سبحانه في قرآنه أمرنا أن لا نبخس الناس أشياءهم وأن نقول للناس حسنا، وتوعّد بالويل، المطففين في الكيل التجاري وفي موازين الرجال.. وهذا من سماحة الخُلق الإسلامي.. ولكن الله سبحانه في نفس قرآنه قد نهانا أن نستغفر لمن اختار الإلحاد ثم مات عليه أو عاش نصرانيا ومات عليها.. “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ” أي ماتوا على خيار ما بيّن لهم أنه يؤدي إلى عذاب الله.
ما دفعني إلى هذه التدوينة (وقد ترددت طويلا في إخراجها ثم عزمت) هو ما قرأته من تعقيب البعض على إثر وفاة الأديب المبدع السوري “حنّا مينا” وتوقيعهم بـ”رحمه الله” و”الله يرحمه”.
مع العلم وأن الروائي المتوفَّى قد ترك في وصيته ما يمنع الوفيّ له من الترحّم عليه.. فهو زيادة على أنه عاش نصرانيا ومات نصرانيا بصرف النظر إن كان ممارسا لطقوسها وعقيدتها وملتزما أم لا.. فقد كتب معبرا عما يعتقده ويؤمن به في آخر وصيته لزوجته: “فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذي خرجت هي، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه.”.. والقول بأن الموت عودة إلى العدم هو تعبير عن نفي البعث والحساب والآخرة.
ويبقى “حنّا مينا” مبدعا ومتألّقا فيما ترك من حصاد قلمه وفيما أخرج للناس من عصارة أفكاره.