لجنة التسعة تستعلي على الشعب وتزدريه
صالح التيزاوي
عندما نمعن النّظر في الأسماء المكوّنة للّجنة ونعرف أنّها من لون واحد وأنّ أغلبها عمل في لجان تفكير التّجمّع لتجفيف منابع الهويّة ولإقامة “الحجج المعرفيّة” على خصوم المخلوع فإنّنا لا تملك إلّا أن نتساءل عن بواعث تكوين اللّجنة وعن أهدافها وهل هي فعلا تريد الإصلاح؟ وهل هي معنيّة أصلا بقضايا الحرّيّة والمساواة؟ وهل هي مهيّئة بحكم ماضيها الدّاعم للإستبداد وللتّحديث القشري والقسري وبحكم مشربها الفكري الفرنكفوني، أن تخوض في قيم تهمّ المجتمع بأسره ويرتقي بعضها إلى مستوى الثّوابت ؟
مهما أحسنّا الظّنّ بدوافع اللّجنة، وأنّهم لا يخدمون مشاريع أجنبيّة تستغلّ ازمات البلاد لاستدراج المجتمع نحو مزيد من سلخه عن هويّته وعن محيطه الإسلامي، ومهما التمس لهم البعض من مبرّرات فإنّنا لا نجد مبرّرا واحدا لرفضهم الذهاب لاستفتاء الشّعب في مسائل تهمّ قيما استقرّ المجتمع على تطبيقها منذ آلاف السّنين. وليست لها علاقة بالتّحديث الفعلي من حيث هو أمن غذائي وتعليم جيّد وبنية تحتيّة متطوّرة ورعاية صحّيّة ووفرة في الإنتاج والمصانع لقطع دابر الفقر والبطالة وتوفير شروط الإستقلال الحقيقي.
هل تقرير اللّجنة ثورة تحديثيّة؟
إذا جاز لنا أن نعتبر ما أقدم عليه بورقيبة ثورة تحديثيّة، على الرّغم من استناده إلى غلبة الحزب الواحد وإلى السّلطات المطلقة التي جمعها بورقيبة بين يديه، وإذا جاز لنا أن نبرّر التّحديث القهري والقسري بتدنّي وعي الشّعب التّونسي في مرحلة بناء الدّولة الوطنيّة، وأنهّ لم يكن مهيّئا للممارسة الدّيمقراطيّة، فكيف تستعلي لجنة التّسعة على الشّعب الذي فجّر ثورة أرعبت عروش الإستبداد وتتّهمه في وعيه ونضجه للممارسة الدّيمقراطيّة ؟ ثمّ ما هذا التّناقض ؟ تزعم اللّجنة أنّ المناخ الدّيمقراطي شجّعها على طرح تقريرها وفي الوقت نفسه ترفض الإستفتاء وهو أعلى أشكال الدّيمقراطيّة بذريعة غياب الدّيمقراطيّة. إنّنا حقيقة إزاء فئة أدمنت التّعامل مع الحرّيّة ومع الدّيمقراطيّة من منطلقات مصلحيّة وليست مبدئيّة. وذلك مبعث الخوف من اللّجنة ومن تقريرها وممّن يقف وراءها ومن أهدافها ومن أدعياء الحداثة عموما. الذين اختزلوا الحداثة في محاربة قيم المجتمع وثوابته، يقول أحد أعضاء اللّجنة: “إنّ عهد القوانين الإلهيّة التي تحكم الإنسان قد ولّى”. وغاب عنه وهو الجامعي والباحث والكاتب “المستنير” و”التّقدّمي” أنّ عهد فرض المشاريع الإستبداديّة ومشاريع الإلحاق الثّقافي والتّبعيّة بالقوّة على المجتمع قد أنهته الثّورة المجيدة، وانّ المجتمع قد استعاد زمام المبادرة ولم يعد يقبل وصاية من الإستعمار ومن أذياله.
هل تقرير اللّجنة يمتّ بصلة للفكر الإصلاحي؟
المتأمّل في الفكر الإصلاحي على امتداد تاريخ الإسلام والمسلمين يلاحظ أنّ المصلحين كانوا يجتهدون لتحرير الفكر والمجتمع من الجهل ومن العادات التي تكبّلهما وتعيق تقدّمهما أمّا تقرير التًسعة فهو لم يدّخر جهدا لإفراغ المجتمع من مصادر قوّته ومن ثوابته خدمة لمشاريع أجنبيّة.
هل اللّجنة تمثّل الشّعب التّونسي؟
عندما يطرح تقرير مثل هذا وفي مثل هذا الوقت بالذّات والبلاد تواجه صعوبات متنوّعة على طريق الإنتقال الدّيمقراطيّ والإقتصادي فلا شكّ أنّ الأيادي التي كتبت والغرف التي خطّطت تريد تلهية الشّعب عن مشاكل
الحداثة الحقيقيّة وصرفه عن أهداف ثورته وشغله عن رصد الفساد المتفشّي في البلاد. ويتبيّن لنا بما لا يدع مجالا للشّكّ أنّ التّقرير ليس سوى موجة جديدة من موجات الثّورة المضادّة…