الثّورة المضادّة واغتيال الوعي
صالح التيزاوي
تزامنا مع الشّهر الفضيل الذي أراده اللّه شهر الرّوحانيات، تجمّع شياطين المال والإعلام والفنّ وآخرون لا نعلمهم لإشاعة الرّداءة وإسقاط المجتمع في بحر من القلق وإسقاط الشّباب في حالة من الموت البطيء خدمة لمشاريع أجنبيّة، لا تريد للثّورة ان تمضي نحو أهدافها ولا تريد للشّعب أن يستعيد كرامته وعاطفته القوميّة نحو قضايا الأمّة.
هل نحن أمام موجة جديدة للثّورة المضادّة تخطّت الإضطرابات والإغتيالات السّياسيّة لاغتيال الوعي هذه المرّة. ومن كالفنّ والإعلام يفعل ذلك؟ فهو الذي يضفي المعنى على الحياة أو ينزعها عنها، وهو الذي ينهض بالمجتمع أو يبعده عن جادّة الصّواب. “أعمال فنّيّة” بالجملة تتوجّه إلى “أذواق محدّدة”:
مسلسل “يوسف الصّديق” الذي شكّل عملا فنّيّا نادرا ومميّزا (على غرار الرّسالة للشّهيد مصطفى العقّاد) التقى فيه “أحسن القصص” بأحسن ما في الإنسان من إبداع راعى حرمة المقدّس فأعطانا عملا فنّيّا في قمّة الرّوعة (بصرف النّظر عن الجدل الدّائر: هل يجوز تجسيد الأنبياء أم لا؟) غير أنّ إحدى القنوات التّلفزيّة التّونسيّة، غيّرت لغة المسلسل (من الفصحى إلى العامّيّة) فألحق ذلك تشوّها كبيرا بجماليّة القصّة. وأساء إساءة بالغة للعمل الفنّي. أليس في ذلك تدنيسا للمقدّس (حيث بدت الآيات القرآنيّة التي كانت تتحدّث عن قصّة نبيّ اللّه يوسف غريبة عن العمل الفنّي إلى حدّ النّشاز).
قناة أخرى وفي بلاد تحمل ثقلا حضاريّا بثلاثة آلاف عام، مرّت علي أرضها شخصيّات هامّة ومؤثّرة ورغم ذلك فإنّ الرّعاة الحصريين للرّداءة ووكلاء المشاريع الأجنبيّة، لم يجدوا إلّا مجرما ليخصّوه بعمل فنّي. وعندما ارتفعت الأصوات تدافع عن المجتمع وقيمه، اتّهمها صنّاع الرّذيلة بأنّها تقحم إلأخلاق في الفنّ. وفي الوقت نفسه يستعملون الفنّ لتخريب الأخلاق. أو ليس الفنّ حمّالا لمشاريع ثقافيّة ؟ عندما تتكثّف أعمال الفنّ التّرفي والعبثي في شهر العبادة دون احترام لمشاعر الأغلبيّة الصّائمة فإنّ الأمر لا يمكن قبوله على أنّه مجرّد صدفة، أو مجرّد تنافس ببن قنوات تلفزيّة على تحقيق أعلى نسب مشاهدة. وإنّما يتعلّق الأمر بخدمة مشاريع ثقافيّة أجنبيّة تتربّص بمجتمعنا وتعمل على إعاقة نهوضه ومعاقبته على ثورته حتّى لا يتحوّل المجتمع التّونسي إلى نموذج ناجح يغري آخرين بالثّورة على الإستبداد.