حمّة الهمّامي: إعتراف في طعم الإنكار
صالح التيزاوي
عندما أعلن حمّة الهمّامي على قناة نسمة، معلّقا على النّتائج الضّعيفة للجبهة في الإنتخابات البلديّة، بأنّ الجبهة ارتكبت أخطاء قاتلة، و”أنها ما خدمتش على روحها من الفوق اللّوطة”. استبشرت خيرا وقلت في نفسي لعلّها مقدّمات عامّة لمراجعات شاملة وعميقة ستقدم عليها الجبهة لتنسجم مع واقع مابعد الثّورة ولتقترب اكثر من منطق التّعايش السّلمي مع المختلفين بعيدا عن منطق التّنظيمات الحديديّة في الإقصاء. إذ ليس من عادة الجبهة ومكوّناتها الإعتراف بالخطإ لأنّ قاموسها يخلو من مفردات التّواضع والنّقد الذّاتي والمراجعات والإستماع إلى الأصوات النّقديّة.
وفي المقابل يعجّ قاموسها بمفردات التّعالي والطّهرانيّة المفرطة وسرديّات أخرى من قبيل أنّ الجبهة وحدها منحازة للطّبقات الفقيرة والمهمّشة والمحرومة وأنّها تملك الحلول التي تجعل منها بديلا محتملا في الحكم.
فما هي أخطاء الجبهة حسب النّاطق الرّسمي للجبهة؟
1. الجبهة لم تقدّم قائمات بمختلف الجهات وذكر جهة التّضامن، أريانة، سيدي ثابت. ولو قدّمت الجبهة قائمات في هذه المناطق لحالفها الفوز على غرار: نصر اللّه، وقعفور، والعروسة، وجبنيانة2 (حسب النّاطق الرّسمي).
2. ضعف الإمكانات المادّيّة: (وهو متّكأ الجبهة لتبرير هزائمها).
3. أخطاء قاتلة في إعداد القائمات ممّا أدّى إلى إسقاطها: مثل عدم احترام التّناصف. علما بأنّ الجبهة هي من نظّرت له واستماتت في إقراره ظنّا منها أنّ ذلك يشهد لها عند النّاخب بـ”تقدّميّتها” وانتصارها لقضايا المرأة وحقوقها فإذا به (التّناصف) يعود عليها بالوبال. وأوقعت نفسها في حفرة حفرتها لخصومها.
الحقيقة عندما نمعن النّظر فيما اعتبره حمّة الهمّامي أخطاء لا نجدها كذلك.، فهي مجرّد تبريرات ومغالطات دأبت عليها الجبهة كلّما منيت بهزيمة أمام الصّندوق.
إذا كانت الجبهة (ائتلاف من اثني عشر حزبا) غير قادرة على التّرشيح قي مختلف الدّوائر البلديّة فكيف يمكن أن تكون بديلا محتملا في الحكم؟ أمّا إذا كان السّبب هو عدم جدّيّة ممثّليها في الجهات فربّ عذر أقبح من ذنب. وهل يحقّ للرّفيق حمّة أن يظهر (بعد مديدة) ومع أوّل اضطرابات ليقول لنا “الجبهة مستعدّة للحكم”؟. وإمعانا في المغالطة ذكر النّاطق باسم الجبهة أنّّ مناضلي الجبهة لمّا لم يجدوا قائمات تمثّلهم في جهات كثيرة، اتّجهوا إلى القائمات المستقلّة. فهل يعني ذلك أنّ المستقلّين محسوبون على الجبهة؟. كنّا ننتظر من الرّفيق حمّة أن يذهب دون لفّ ولا مغالطة إلى الأسباب العميقة لفشل الجبهة ولكنّه راوغ وجاء اعترافه بالأخطاء في طعم الإنكار: فمن يستمع إلى كلام الرّفيق، يخيّل إليه وانّ الجبهة، كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق انتصار كاسح لولا تلك الأخطاء البسيطة. بما يعني انّ الجبهة عندما تتلافاها مستقبلا فستكون في حكم الفائز في قادم المحطّات الإنتخابيّة. في حين أنّ أزمة الجبهة أكبر من ذلك بكثير.
فما هي إذا الأسباب الحقيقيّة لفشل الجبهة؟
1. استدعاء الخطاب الإقصائي الذي كان يمارسه بن علي في العلن وتمارسه الجبهة في السرّ (في لجان التّفكير صلب التّحمّع). فأغلب الذين صوّتوا للحزبين الفائزين وإن لم يكونوا مقتنعين ببرامجهما وحسن إدارتهما للشّان العامّ، فإنّما صوّتوا لصالح التّوافق الذي تصرّ الجبهة على عدم الإنخراط فيه. وربّما تشترط إقصاء النّهضة للإنخراط فيه. ولعلّ هذا المنطق هو الذي جنى عليها… وربّما قادها إلى نهايتها إن لم تراجع وتعدّل باتّجاه التّعايش.
2. انشغال الجبهة بمحاربة خصومها أكثر من انشغالها بالتّعريف ببرامجها رغم حضورها اللّافت والمكثّف في مختلف وسائل الإعلام أكثر حتّى من الأغلبيّة الحاكمة، وهذا على خلاف ماهو متعارف عليه في الدّيمقراطيّات حيث تعطى الأحزاب من المساحات الإعلاميّة حسب أوزانها الإنتخابيّة.
3. ازدواجيّة خطابها: فهي مع الثّورة في تونس وضدّ الثّورة في عواصم عربيّة أخرى. وهي مع الدّيمقراطيّة في تونس ومع الإنقلاب العسكري في مصر. وهي مع القضيّة الفلسطينيّة ولكنّها ضد “ّحركة حماس”.