في مسألة تحليل أرقام الإنتخابات

الحبيب حمام
أرى خلطا كبيرا ونقصا في المنهجية في تحليل الأصوات المتحصل عليها من القوائم المختلفة، المستقلة منها والحزبية. كثيرون استنتجوا أن الحزب الفلاني خسر والآخر ربح، والبعض قدّم أرقاما من نوع الحزب الفلاني خسر مليونا والآخر 800 ألف، إلخ. كل هذا لا معنى له. دعونا نفصل عبر الفقرات التالية:
المشاركة والمقاطعة والعزوف: نسبة المشاركة في الانتخابات تختلف من ثقافة إلى أخرى، ومن الخطأ أن نفسّر النسب العالية أو المتدنية بثقة الشعب في الأحزاب أو بخلل فيهم. المشارك واعي بقيمة المشاركة في الانتخابات، والمقاطع مقتنع بالمقاطعة ومصرّ عليها.
أما العازف عن الانتخابات فلا يمكن الجزم بسهولة في سبب عزوفه. قد يكون آيسا من التغيير عبر الوسائل الديموقراطية، أو من التغيير أصلا. وقد يكون لم يجد حزبا أو قائمة أو مترشحا يحمل آماله، وقد يكون وجد ما يناسبه ولكنه مقتنع أنه لن يفعل شيئا لأن سيقع عرقلته. وقد يكون مقتنعا أن الوضع إذا تغيّر، أو بقي على حاله، لن يؤثر في حياته. وقد يكون شيئا آخر. من الممكن أن يكون المواطن مشاركا في الانتخابات ثم يصبح عازفا عنها للأسباب آنفة الذكر. ومن ثمة، نسبة العازفين تزيد كلما تعرّض البلد إلى صعوبات سياسية أو اقتصادية. فمثلا كثرة الإضرابات في البلاد تزيد من نسبة العازفين عن الانتخابات ولا ذنب للأحزاب في ذلك. العمليات الإرهابية تزيد في نسبة العازفين. الفساد في الدولة يزيد في نسبة العازفين. التدخل الخارجي يزيد في نسبة العازفين.
في الخلاصة
1. ليس من الإنصاف إرجاع ارتفاع نسبة العزوف عن الانتخابات إلى خلل في الأحزاب دون تحليل الأمر بعمق.
2. من الخطإ أن نحسب عدد العازفين ونعتبر أن تلك الأحزاب بعينها خسرتها من قاعدتها. مثلا، عدد المشاركين في الانتخابات 500 ألف، وتحصل حزب معيّن على 100 ألف صوت، أي 20% من الأصوات. في الانتخابات الموالية كان عدد المشاركين في الانتخابات 300 ألف، وتحصل نفس الحزب على 75 ألف صوت، أي 25% من الأصوات. من الخطإ أن نقول خسر 25 ألفا من قاعدته، لأنه قد يكون أصبحوا من العازفين لسبب لا دخل للحزب فيه. ولكن في المقابل ربح الحزب بأن تحول من 20% إلى 25% من المشاركين.
3. أسلم تقييم للحزب هو باعتبار نسبة الأصوات المتحصل عليها، وعدم اعتبار العازفين.
4. العازف يتحمل مسؤوليته بأنه ترك غيره يقرر مصيره بدلا عنه. أما المقاطع فأكثر خطأ.
الانتخابات البلدية والتشريعية:
من الخطإ الفادح مقارنة عدد أصوات الحزب التي تحصل عليها في انتخابات بلدية بعدد أصوات الحزب التي تحصل عليها في انتخابات التشريعية. يجب مقارنة تشريعية مع تشريعية وبلدية مع بلدية لوجود المستقلين ولعدم مشاركة المواطنين في الخارج في الانتخابات البلدية. من الطبيعي أن يتحصل أي حزب في الانتخابات البلدية على نسبة أقل مقارنة للانتخابات التشريعية لأنه يدخل في منافسة مع مستقلين محليين. المستقلون أقل حظا في التشريعية لأنهم يتنافسون على نطاق واسع: الولاية. والمستقلون معروفون عادة في مستوى ضيق. ثم يصعب على المستقلين تأليف قائمة على مستوى الولاية. فالقائمة المستقلة التي أخذت من حظ في الانتخابات البلدية لن تنافسه في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبالتالي سيكون منتخبوها موزعين على الأحزاب أو عازفين عن الانتخابات.
في الخلاصة: يجب مقارنة تشريعية مع تشريعية وبلدية مع بلدية
المستقلون: مهمّ دور المستقلين وخصوصا عندما يدخلوا في انتخابات فردية. المجلس البلدي المُشكل من قائمات هو عبارة على برلمان فيه كل مقومات الصراع السياسي. بلغة أخرى، تفقد القائمة المستقلة استقلاليتها بمجرد المشاركة في المجلس البلدي، وتدخل في تحالفات مع أحزاب وضد أخرى. أين الاستقلالية إذن؟ مع إدراكي بقيمة المستقلين، أنصح بالتصويت إلى أحزاب للأسباب التالية:
1. الديموقراطية تقوم على الأحزاب.
2. من الأسلم التصويت لمن نستطيع محاسبتهم. لا نستطيع محاسبة المستقلين ومعاقبتهم إن تطلب الأمر، لأنهم ليسوا أحزابا يشاركون في مناسبات انتخابية قادمة: بلدية وتشريعية ورئاسية. نعاقبهم بعدم التصويت لهم. المستقلون وخصوصا القائمات يشاركون عادة مرة واحدة ويتفرقون، وخصوصا أعضاء القائمة المستقلة الذين لم يفوزوا.
3. المجلس البلدي المُشكل من قائمات يحتاج إلى تحالفات سياسية.
4. البلديات تحتاج إلى تنسيق بينها، وبالتالي من الأيسر التعامل مع البلديات التي فيها نفس الأحزاب.

Exit mobile version