مقاطعة المحلّيات تصبّ في مصلحة أولاد القديمة
صالح التيزاوي
قمّة السّقوط الأخلاقي أن يدعو بعضهم إلى مقاطعة الإنتخابات البلديّة بذرائع سخيفة أكثر ما فيها من سخف وسذاجة القول بأنّ المقاطعة تعبّر عن “رفض لمنظومة الإستبداد بأكملها”.
لئن كانت منظومة الفساد معلومة لدى الجميع فماذا يقصدون من قولهم: “بأكملها” ؟ وأيّ معنى للمقاطعة إذا كانت منظومة الفساد قد ألقت بثقلها في هذه المعركة أملا في استكمال مشروع الإنقلاب النّاعم الذي بدأته منذ إعتصام “الرّزّ” وأثمر عودة لافتة في إنتخابات أكتوبر 2014 وما أعقب ذلك من تمرير لقانون المصالحة مع من نهبوا المال العام وانقلاب سافر على هيئة الحقيقة والكرامة وتعطيل قيام المحكمة الدّستوريّة.
ويبرّر آخرون دعوتهم للمقاطعة بأنّ الإنتخابات” ستوسّع رقعة الفساد”. وهل إذا قاطعنا ستتقلّص رقعة الفساد؟
وإذا كانت دعوات المقاطعة مبعثها الخوف من عودة “منظومة الفساد بأكملها” أليس التّصويت لأحزاب أخرى لا تحوم حولها شبهات الفساد (وهي كثيرة) أفضل من المقاطعة؟ وكيف نتخلّص من الفساد إذا لم نصوّت لغير الفاسدين؟ فالأحزاب على كلّ لون وشكل فهل كلّها فاسد؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “من قال إنّ النّاس قد هلكوا فهو أهلكهم” (بضمّ الكاف
أو بفتحها).
أغرب ما في دعوات المقاطعة أنّها تمارس تضليلا “عالي الجودة” فكأنّ تونس عريقة في تنظيم الإنتخابات المحلّيّة التّعدّديّة. هذه الأولى في تاريخ تونس القديم والحديث، أليست مقاطعتها جحودا لفضل الثّورة ولدماء الشّهداء ورفضا للتّغيير السّلمي؟
والأكثر غرابة أنّ دعاة المقاطعة عبّروا عن نواياهم بعد أن استكملت أجهزة الدّولة شروط الإستحقاق الإنتخابي بتكلفة ماليّة باهظة ألا تعتبر دعوات المقاطعة الآن وجها آخر للفساد لأنّ فيها تبديدا للمال العام ؟