صالح التيزاوي
دلّوني على موظّف أو عامل في هذه البلاد مهما قلّ سلّم تأجيره يتقاضى منحة إنتاج مقدارها (40د). كم هو سخيف ومهين أن يجد الأستاذ في حسابه بعد ثلاثة أشهر من الكدح (في القسم وفي المنزل) مثل ذلك المبلغ الحقير تحت عنوان “منحة إنتاح”.
الأساتذة وحدهم في هذه البلاد لا يتقاضون: لا 13ème ولا 14ème ولا يتقاضون منحة تحفيز، ولا منحة انضباط، ولا منحة تغطية، ولا وصولات أكل ولا وصولات بنزين. هو الرّاتب فقط: منه نأكل ونلبس ونعالج وننفق على عائلاتنا ونتنقّل إلى العمل ونواجه به مصاريف المناسبات والأعياد. ثمّ يريدون منّا أن لا نحجب وأن لا نعلّق. ولمّا صرخنا أن قد ذبحنا هذا الوضع المزري، هدّدونا بقطع الأجر، واتّهمونا بـ”البلطجة” وحرّضوا علينا الأولياء. صرخنا من وطاة الألم أنّ مهنتنا لم تعد شاقّة فحسب بل أضحت قاتلة فاستكثروا علينا اعتبار التّعليم مهنة شاقّة. ثمّ يريدون منّا أن لا نحجب وأن لا نعلّق… دلّوني على بلد واحد (متقدّم أو متخلّف) يعفى فيه عن لصوص المال العامّ ويهدّد فيه المربّون بالحبس والتّجويع. في بلادي (مفجّرة الثّورات وملهمتها للشّعوب المقهورة) يتهرّب الأثرياء من الضّرائب، فتلجأ الدّولة إلى تعبئة مواردها من جيوب الأجراء. ثمّ يريدون منّا أن لا نحجب وأن لا نعلّق بل يُسلّط علينا المتهرّبون من الضّرائب ومن تجّار السياسة ومن إعلام العار لإعطائنا دروسا في الوطنيّة وهم لا يعرفونها أصلا بل يتاجرون بها.
في بلادي التي اشعلت ثورة شعبيّة على الفساد والفاسدين، يخرج الفاسدون من جحورهم التي اختبؤوا فيها ذات شتاء من العام 2011 ليعلنوا حربا شعواء على المربّين. ثمّ يطلب منّا أن لا نحجب وأن لا نعلّق. ليست الحرب المسعورة على المربّين ومطالبهم ولكنّها حرب على الوعي وعلى ينابيعه.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.