تدوينات تونسية

غياب الحريات الإقتصادية في تونس وتباطؤ الإنتعاش الإقتصادي

أنيس عشي

احتلت تونس المرتبة 117 عالميا في تصنيف الحرية الاقتصادية من أصل 160 بلدا وفق التقرير السنوي للحرية الاقتصادية الذي يعدّه سنويّا مركز “فريزر” الكندي للأبحاث. ويعتمد هذا التّصنيف على عدة مؤشّرات من بينها حرية التجارة الدولية، سهولة الحصول على قروض، تنظيم العمل، السياسة البنكية، تأمين حقوق المستثمرين، حجم الدّولة واستقرار العملة وغيرها من الموشّرات.

هذا التقرير يضرب في العمق انتعاش الإقتصاد التونسي ويحدّ من تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الوافد على بلادنا بسبب وجود عوائق كثيرة تحول دون انتصابه. الليبرالية الاقتصادية في البلدان الغربية حررت المبادرة الفردية وساهمت في خلق قطاع خاص متطور وديناميكي لكنها حاربت الاحتكار والأحادية في الاقتصاد. في حين أننا في تونس الحريات في المجال الاقتصادي معكوسة تماما من خلال وجود الإحتكار والأحادية وغياب الحرية الإقتصادية، ومن خلال جود حرية التهريب مقابل غياب حرية التجارة.
ما قبل الإستقلال كان الاقتصاد يعتمد على الفلاحة والصناعة وقد توقف مسار تطور الصناعة التونسية بفعل الاستعمار الذي حرص على تعزيز التخلف في مجتمعنا، فكلما أرادنا أن ينطلق من عقال التخلف أعادته آليات الاستعمار إلى نقطة الصفر مرة أخرى. بعد الاستقلال وفي ضل غياب رأس المال وغياب حرية المبادرة وفشل التجربة الاشتراكية، أخذت الدولة على عاتقها ادارة الشأن الإقتصادي من خلال خلق فئة جديدة اسمها فئة “رجال الأعمال” وذلك من أجل إرساء اقتصاد ليبرالي. وبالتالي كانت النشأة قيصرية عرجاء ولم تكن ولادة طبيعية تعتمد على حرية المبادرة وحرية الإنتاج والمتاجرة واستهلاك وحق التملك والحق بالتعاقد، والانفتاح الداخلي والخارجي للسوق، وحماية حق التملك وحرية المبادرة الاقتصادية.
هذا الإقتصاد الاحتكاري هو صناعة دولة الإستقلال منذ عشرية خمسينيات القرن الماضي لخلق طبقة بورجوازية هجينة تكون رافعة للإقتصاد الوطني من خلال تمكين هذه الطبقة المقربة من دائرة السلطة وصناع القرار من القروض ومجالات الاستثمار واتباع سياسة اقتصادية حمائية لتقييد التجارة الدولية بهدف حماية هؤلاء من المنافسة الأجنبية وبالتالي احتكار السوق الداخلية وفرض الأسعار الإحتكارية بصرف النظر عن قدرة هذه الطبقة التنافسيّة. بالإضاقة إلى سن تشريعات جبائية عرجاء لفائدتها بحيث أصبحت منظومة الضرايب تعتمد أساسا على طبقة الأجراء، لأن هذه الأخيرة تخضع لتقنية لخصم من المورد.
وظيفة الدولة الأساسية في افق الحداثة الراهنة هو الاستثمار في الأمن وفي البشر من خلال توفير الأمن على المستوى الداخلي بحفظ سلامة الأفراد وممتلكاتهم وأموالهم وتوفير التعليم والصحّة. ولكن بهذه السيرورة التاريخية تم إنشاء مركزية للدولة في وعي هذه الطبقة البورجوازية القريبة من السلطة والمتحالفة معها، طبقة لم تكن قطّ طبقة بورجوازية وطنية أصيلة نشأت بشكل طبيعي. وبمرور الزمن تراكمت امتيازاتها وخاصة مع بداية التسعينات مع تطور المنظومة السياسية بالطريقة المعلومة. وهكذا وقع تأسيس إقتصاد وطني بدائي قائم على ثنائية الاحتكار والإمتيازات، اقتصاد بين مطرقة الحمائية وبين سندان العجز عن منافسة باقي اقتصاديات العالم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock