حسين السنوسي
1. لست مولعا بأعياد الميلاد ولا بتواريخ الوفاة ولا أِؤمن أصلا بالأيّام التّي تغيّر وجه التّاريخ ووجهته -سلبا أو إيجابا- لكنّي هذه السّنة وبدون سبب محدّد تذكرّت تاريخ وفاة الرّئيس الرّاحل جمال عبد النّاصر فأردت أن أقول فيه بعض ما يمكن أن يقال.
2. له علينا أوّلا أن ندعو له بالرّحمة والمغفرة. له علينا أيضا أن نقول إنّه يظلّ رغم أخطائه ورغم الكارثتين اللتين يتحمّل مسؤوليّتهما كاملة علما من أعلام الأمّة.
3. الكارثتين ؟ ما الكارثتان ؟ أمّا الأولى فمعاملة خلق اللّه في سجون دولته بما لا يعامل به الحيوان وأمّا الثّانية فالهزيمة التّي ما زلنا إلى يومنا هذا نعيّر بها.
4. هل لهذا الحديث جدوى أم أنّه يجب أن يترك للمؤرّخين ولهم وحدهم ؟
5. الحديث عن عبد النّاصر ليس بالضّرورة حديثا عن الماضي -سعيدا كان أو بائسا- بل بالإمكان أن نجعل منه حديثا عن الحاضر.
6. الحديث عن عبد النّاصر حديث عن العرب. عرب “الحرقة” والفرانكاراب و”آش عندنا فيهم أحنا ؟” والثّورات المسروقة وبرنار ليفي والعلم الصّهيوني في سماء قاهرة المعزّ وفي كثير من العقول العربيّة.
7. هذا الرّجل ينهزم في قبره كلّ يوم مرّات عديدة ولو كانت هزيمته هزيمة “الدّكتاتور” لما كان في الأمر ما يزعجنا لكنّها هزيمة “ارفع رأسك يا أخي” و”مجتمع بدون خدم” و”واللّه زمان يا سلاحي” واللّاءات الثّلاث.
8. لم ينهزم عبد النّاصر أمام من “يتجاوزون” النّاصريّة فيحقّقون ما عجزت عن تحقيقه ويعيدون إلى الأمّة كرامتها وإلى المواطن حريّته بل أمام من “صلبوه بباب دمشق” (نزار قبّاني).
9. أعتبر شعراء هذه الأمّة آخر حكمائها وأستنجد بهم كلّما استعصت عليّ الكلمات وعندما يتعلّق الأمر بعبد النّاصر لا أستنجد بنزار قبّاني الذّي وصفه بعد موته بأنّه “آخر الأنبياء” ولا بمحمود درويش الذّي قال له “ولست نبيّا ولكنّ ظلّك أخضر” بل أدعو للشّهادة مظفّر النّوّاب الذّي قال:
“أنا لست بالنّاصريّ
لكنّهم ألقوا القبض ميتا عليه
وعرّوه من كفن نسجته قرى مصر من دمعتيها”
10. وماذا عن النّاصريّين ؟ ذلك حديث آخر قد نعود إليه.
11. في مثل اليوم من سنة 1970 توفّي رجل أحبّ الأمّة وأحبّته. رجل أخطأ (كثيرا) وأصاب (على الأقلّ قليلا). اجتمع عليه الأعداء فهزموه. مات “بحسرته” وعاش أبناؤه بحسرتهم. رحمه اللّه وغفر له.