هل زواج المسلمة من غير المسلم مسالة نصوص ؟!

أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
لنكن صرحاء، ولا تسالني ماذا افضل: زواجها او التضحية برغبتها !.
مجلة الاحوال الشخصية منذ ستين عاما “تعمدت” الالتباس واقتصرت في احد فصولها (الفصل 5) على القول “يجب ان يكون كل من الزوجين خلوا من الموانع الشرعية”.
وبين الشرعية والقانونية تاهوا في الطريق، كل يفسر حسب هواه !. واذكر ان هذا الجدل قد استغرق منا ونحن في مدارج كلية الحقوق وقتا طويلا ! على غرار ما ثار من نقاش اطول حول موانع الارث (وما قصده المشرع بقوله “القتل العمد من موانع الارث”!).
وفي هذا السياق اشير الى ان تحرير عقود الزواج بين المسلمة وغير المسلم كانت منذ دخول المجلة الجديدة حيز التنفيذ (1 جانفي 1957) ممارسة غير مسبوقة وهو ما حدا بوزير الداخلية (كاتب الدولة للداخلية المرحوم الطيب المهيري) بعد مدة قصيرة الى التنبيه -في منشور مورخ في 17 مارس 1962- الى “ان بعض ضباط الحالة المدنية وبعض العدول يبرمون عقود زواج مسلمات باشخاص غير مسلمين.. وان هذا الاجراء غير قانوني اذ ينافي ما جاءت به مجلة الاحوال الشخصية صراحة او ضمنيا وخاصة الفصل الخامس منها…”.
ويبدو ان ذلك المنع لم يكن كافيا حتى ان وزير العدل (المرحوم صلاح الدين بالي) قد اصدر نيابة عن الوزير الاول (المرحوم الهادي نويرة) المنشور عدد 2016 المؤرخ في 5 نوفمبر 1973 (وهو المنشور الذي الغاه اخيرا السيد غازي الجريبي) ليؤكد “انّ المشرّع بادر إلى إصدار مجلة الأحوال الشخصية معتمدا فيها على الأسس الإسلاميّة وأنّ الفصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية منذ وضعه الأول قضى بفساد زواج المسلمة بغير المسلم، إذ إشترط في فقرته الأولى على الزوجين أن يكون كلّ واحد منهما خلوا من الموانع الشرعيّة”.
ولذلك ارى ان الامر لا يمكن ان يحسم -من جهة النصوص- الا بتدخل المشرع يمقتضى قانون (لا بقرار وزيري) يلغي الالتباس بصفه لا تدع مجالا للشك او التاويل!.
ومهما كان الاختيار فمن الواضح ان موضوعا كهذا لا تحكمه فقط النصوص (سواء وجدت او غابت) ولا تحسمه المعارك (بين الحداثيين والتقليديين – او بين اليسار واليمين – او بين دعاة الدولة المدنية والدولة الدينية…) ولا اراه بالاحرى موضوعا للتوظيف يستعيد (او يفتعل) معركة الهوية بين الاصوليين والعلمانيين !.
اليس الامر في حقيقته خاضعا للواقع الاجتماعى ومدى تقبله للزيجات المختلطة (بين الاجناس او الجنسيات او الاديان) ؟ هل يمكن لنا ان ننكر (بقطع النظر عن المانع الديني) ان الزواج في تونس لا زال -وربما سيبقى لمدة طويلة- شأنا عائليا او اجتماعيا وان الزواج بين التونسية والاجنبي (وخصوصا بين المسلمة وغير المسلم) يصطدم بمانع اجتماعي يذهب الى حد اعتبار ذلك الزواج (في اوساط كثيرة) “مجلبة للعار” ؟! يتهامس بشانه الاجوار والاقرباء.
ولا شك ان ذلك الواقع الاجتماعي هو الذي ادى (في حالات عديدة) الى التحايل على “المانع العائلي” باشاعة اسلام الزوج او تحصيله على شهادة من مفتي الجمهورية !.
لا اعتقد ان منشور وزير العدل ولا حتى “الموانع الشرعية” ولا امتناع عدول الاشهاد ولا كذلك “تزمت” رب العائلة هي التي ستحول دون ذلك الزواج !.
كما لا اعتقد بالمقابل ان رفع كل القيود القانونية امام زواج المسلمة بغير المسلم سيفتح الباب واسعا لزيجات من هذا القبيل لم تكن لتبرم لولا تدخل الدولة !.

Exit mobile version