هل أصبح “الصّافي سعيد” يتقمّص شخصيّة “حسنين هيكل” ؟
صالح التيزاوي
“هؤلاء لا يقرؤون التّاريخ”، “الإسلام انتهى بنهاية القرن العشرين”، “العرب انتهوا منذ اجتياح لبنان وغزو العراق”.
بمثل هذه الشعارات يشطب الصّافي سعيدا أمّة بحالها، وينهي وجودها من التّاريخ. هل يملك مفكّر ما، مهما كان حجمه هذا الحقّ ؟ حتّى وإن كان يقرأ التّاريخ ويفهمه أكثر من غيره، حتّى
وإن كان يفهم السّياسة أكثر من غيره. عندما يفيض الصّافي سعيد في حديثه ويكثر من استطراداته المتعمّدة حتّى يبدو في غزارة أفكاره شبيها بـ “حسنين هيكل” تبرز إلى السّطح
تناقضاته. إذا كان العرب قد انتهوا، فلماذا يصرّ الصّافي سعيد على دعم بشّار والسّيسي وحفتر ؟ هل هذه الوجوه التي ولغت في دماء البشر واهانت العرب يمكن أن تعيد للعرب مجدهم؟
ام تراه يرى انبعاثا جديدا للعرب عن طريق السّيسي وبشّار؟
يعيب على الإسلاميين “ماضويّتهم” ولكنه لا يكترث لعودة القومجيين واليسارجيّة إلى منابعهم الأولى. ماذا فعلت التّجارب التي يمجّدها ويمتدح العودة إليها غير الدّكتاتوريّة والقهر والتّجزئة؟هل توجد تجربة قوميّة واحدة قد نجحت؟ يبكي الصّافي سعيد لفشل الثّورات العربيّة (نسبة نجاحها 1/5) وفي الوقت نفسه يسمّيها ثورات الرّبيع”العبري”. وعندما يسأل عن أسباب الفشل يذكر عودة النّظام القديم. وفي ذات الوقت يثني على محاولة إقحام “سيف القذافي” في الحورات اللّيبيّة اليس “سيف القذافي” من النّظام القديم؟ لقد كانت السّلطة والثّروة بيد القذافي وآله فماذا صنعوا بها لفائدة العروبة؟
من غرائب ما يلاحظ عندما يستغرق الصّافي سعيد في سردياته أنّه يأتي على ذكر كلّ شيء: التاريخ والجغرافيا، الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنّه لا يأتي أبدا على ذكر المسألة
الدّمقراطيّة، وعلى الحرّيات، وعلى قيم المواطنة. لقد اسقط هذه القيم من دائرة اهتمامه كما أسقطها أباؤه الرّوحيون من قبل ومن بعد. لقد عرفنا الصّافي السّعيد محلّلا سياسيّا بارعا وإعلاميّا وروائيّا، حتى أنّه يخيّل للسّامع أنّه لا يوجد فنّ من فنون المعرفة بعيد عن الصّافي سعيد. ولكنّنا لم نعهده مفتيا في الإسلام، يقول معلّقا على رفع الصّهاينة لبوّاباتهم الإلكترونيّة: لو صلّى الفلسطينيون في الطّرقات لكان ذلك أفضل من صلاتهم داخله. عذرا “سي الصّافي” طريقة العبادة يحدّدها خالق العباد وحده وليس ذلك لأحد من خلقه. ربّما يكون ذلك مفيدا في حالة الإحتجاج، ولكنّه ليس حلّا دائما.
لا يبدو الصّافي سعيد حريصا على الموضوعيّة حرصه على الوفاء المطلق والدّائم لرغباته وأهوائه، فهو يحارب الإسلام السّاسي (الإسلام السياسي عنده كلّه إخوان) ولكنّه يفتي به
للفلسطينيين عندما يدعوهم إلى الصلاة خارج الأقصى اقتداءا باليهود الذين يصلّون في الطّرقات عند حائط المبكى. لست أدري كيف غاب عن “مؤرّخنا الكبير” أنّ الإسلام قد غيّر قبلة المسلمين الأولى حتّى يكون لهم كيانهم الخاص. هل نسي في غمرة “التّخميرة” ما كان يقوله سابقا: مشكلة العرب والمسلمين في تبعيّتهم وفقدانهم لاستقلال قرارهم.