تدوينات تونسية

الجماعة الكبايرية متاع حقوق المرأة

كمال الشارني
بما أننا بصدد الحديث عن العنف ضد المرأة:
بعض الكبايرية متاع البلاد، ممن يفضلون الحديث بالفرنسية بلهجة باذخة في تشبهها بلهجة أكثر أحياء باريس تعفنا في الرخاء، يريدون الدفاع عن حقوق المرأة في تونس، أوكي؟ من يفكر في تلك الطفلة التي تقسم ساعات نهارها وجزءا من ليلها بين المدرسة البعيدة التي تفتقد إلى نصف المعلمين والرعي وجلب الماء إلى الأسرة من الوادي ؟ والطفلة التي عضها الكلب من فخذها وهي تعود مع أخيها الأصغر من المدرسة ؟ تلك التي ستتوقف من تلقاء نفسها عن الدراسة قبل أن تبلغ الثانية عشر من العمر، لأن سمسارا أوهم أباها أنه سوف ينقذها وينقذ أسرتها بتشغيلها في العاصمة مقابل 400 دينار في الشهر، فعادت في العام الثاني حبلى من ابن مشغلتها الذي تعلم فيها الجنس ؟
ستبحث تلك البنت حولها عن سند، فلا تجد سوى أبا أذله الفقر والجهل يرابط أياما مثل كدس عزاء أمام مركز الحرس الوطني بلا أمل في نيل حق ابنته، وأخا أذلته البطالة رغم كدس الشهائد فأصبح مصنفا أمنيا “عنصرا مشوشا”، وحكاما ومسؤولين تعودوا منذ قرون على الاستهانة بالفقراء ؟ أفضل مصير يمكن أن تحلم به هو أن تشتغل عشر ساعات يوميا في حقول الفلاحية، حيث حين تريد رفع قامتها بعد ساعة من الانكفاء، تحس طقطقة عظامها، تكتفي بالقول: ربي معنا.
الآن، ماذا لو أن فتاة ولدت في أحد تلك الأحياء الراقية ؟ ستدرس في مدرسة خاصة مع أبناء الذوات لكي تصبح مثل أبيها وأمها طبيبة، محامية خبيرة في شأن خطير من شؤوننا، ستتم دراستها في فرنسا أو ألمانيا أو كندا بمنح الدولة الوطنية، ولن تنشغل بجلب الماء بل بتقسيم وقتها بين نوادي الموسيقى والرقص وأعياد الميلاد المزيفة والمجاملات الاجتماعية وخصوصا التسوق، وحين تعود وتتمكن من الثروة والسلطة، لن تكون بحاجة إلى قانون يحميها من العنف، فهي العنف كله، الآن، لنفترض جدلا مع “الجماعة الكبايرية متاع حقوق المرأة” أنها تزوجت واحدا طلع مجنونا يضربها وأنها بحاجة لمن يعقد ندوة باثني عشر ألف دينار يوميا في نزل فاخر للدفاع عنها باللغة الفرنسية، ستتلفت حولها، ستجد زملاء دراستها وأصدقاء طفولتها محامين وأطباء وقضاة ومسؤولي دولة يقلبون الأرض لأجلها، هي أصلا، تعرف حقوقها وأشياء أكثر منها، وقبل كل شيء، ستجد رصيد أبويها في البنك يمكنها من علاج آلامها في أجمل جزر العالم، لأن الله لم يخلقنا متساوين أمام العنف: ثمة من تأكل طريحة ولا أمل لها سوى رضى من ضربها، وثمة من تسافر إلى باريس لعلاج آلامها في التسوق الفاحش.
أنا لا أثق أبدا بالأغنياء، حين يتحدثون عن آلام الفقراء، نساء كانوا أو رجالا، أصلا، العذاب لا علاقة بالجنس، بل بالفقر، وقديما قال نجيب محفوظ: “ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock