هل أخفق زعماء الإصلاح في تشخيص أمراض الأمّة ؟
تتالت نكبات الأمّة، وتعدّدت أمراضها، وأطنب المفكّرون وزعماء الإصلاح في محاولات التّشخيص واقتراح الحلول منذ الأفغاني وعبدة، مرورا بإقبال والكواكبي، وحتّى الطاّهر بن عاشور ومالك بن نبيّ. أملا في أن تستعيد الأمّة دورها الحضاري والنّهوض من سبات قد طال. ولكن لماذا لم تنجح محاولات التّشخيص على امتداد ما سمّي بعصر النّهضة ؟
يبدو أنّ كثيرا من زعماء الإصلاح شغلوا أنفسهم بمعالجة أعراض المرض ولم ينفذوا إلى المرض في حدّذاته كما أشار إلى ذلك المفكّر الجزائري مالك بن نبي. قد يكون من المفيد اليوم أن ينفتح العلماء المسلمون والخبراء والسياسيون على التّجارب الإنسانيّة لمحاولة فهم واقعهم. توجد تحاليل وعمليات تشخيص للحالة النّفسيّة للمسلمين ولواقعهم صدرت عن غير المسلمين وهي أكثر فهما لأوضاع المسلمين من ذلك ما قاله الصحفي الإنقليزي “روبرت فيسك” في تفسيره لظاهرة استقالة المواطن العربي من الشّان العام وسلبيته المفرطة: “لقد زرت كثيرا من المسلمين وبدت لي بيوتهم غاية في النّظافة ولكن شوارعهم والأماكن العامّة تملؤها القاذورات “فسّر الكاتب البريطلني سلوك المسلمين بقوله: “لأنّهم يشعرون بانّهم يمتلكون بيوتهم ولا يملكون أوطانهم”.
بهذه الكلمات السهلة نفذ الكاتب البريطاني إلى مدخلات الإصلاح الحقيقي في العالمين العربي والإسلامي: تجذير قيم المواطنة بحيث لا ينتهكها الحاكم تحت أيّ مسوّغ من المسوّغات البدائيّة والطفوليّة التي يسوقها الحكاّم لتبرير غطرستهم وجهلهم من قبيل “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، “الممانعة”، “الإستعداد للمعركة الفاصلة”، “المحافظة على الوحدة الوطنية” ، “المحافظة على هيبة الدّولة”. هذه الشعارات الماكرة والمخاتلة كانت السبب الرّئيسي لتخلّف المسلمين وانحطاطهم الحضاري وجنت على الشعوب العربيّة مزيدا من الرّداءة والإنحدار كما لم يحدث من قبل.
وقال مساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّة في حديث أدلى به لقناة الجزيرة في سياق تفسيره لظاهرة الإستبداد في الحكم إنّ الدّكتاتور يتصرّف بغطرسة وعنجهية مع شعبه لإحساسه بأنّه فاقد الشّرعيّة يخشى في حال الإطاحة به أن يلقى مصير القذافي (عصا تخترق فؤاده) لذا، فهو لا يريد الخروج من الحكم، ويحاول الإحتماء بمزيد من الشدّة وتقوية سلطانه بمزيد من سفك الدّماء. على عكس الحاكم المنتخب فهو يعرف متى يخرج من الحكم، لذلك فإنّه يتصرّف بطريقة غير استبدادية ولا يخشى على نفسه من شعبه عند مغادرة الحكم لأنّه يحتمي بالدّيمقراطيّة. أشار السياسي الأمريكي بدقّة عالية إلى أخطر الأمراض التي تجتاح الامّة وجعلتها على هامش التّاريخ وفي حالة تيه حضاري، إنّها أزمة الحكم في العالمين العربي والإسلامي، حكم تسلّطي ألغى إرادة الشّعوب وصادر حقوقها، هذا الوضع خلق حالة من انعدام الثّقة بين الحاكم والمحكوم ولا سبيل إلى تجاوزها إلّا بتبنّي الخيار الدّيمقراطي الذي يكبح سلطة الحاكم ويكرّس إرادة الشّعوب، بلاغا لعودة الأمّة إلى رشدها وإنهاءا لحقب طويلة من الإستبداد عطّلت نهضة الأمّة وشغلت الحكّام بصراعاتهم القبلية وبمعاركهم الشخصية عن المعارك الحقيقيّة.