أسفاري واللغات الحية (16)
أحمد القاري
حتى أسماء الماركات العالمية في الصين معروفة بصيغ صينية.
نحن نظن إسم الماركة والماركة نفسها تفقد جزءا من قيمتها إن نطقناها بطريقة خطأ. فنحرص على نطق اسم كل ماركة نطقا سليما سواء كانت يابانية أو ألمانية أو أميركية وإن تجشمنا في ذلك مشقة و عنتا.
أما في الصين، فبمجرد أن تقرر ماركة عالمية دخول السوق يكون عليها البحث عن إسمها الصيني. فهو يجب أن يكون اسما سهلا وأن تحيل أصواته على معان جميلة ومتفائلة. وصيغة الاسم المكتوبة بالصينية يجب أن تكون جميلة أيضا. فالصينيون أهل ذوق وأهل فأل وتطير.
(آبل) مثلا لم تشق على نفسها. وجعلت إسم الماركة بالصينية (بينغ غوو) و معناه (تفاحة).
تخيل الذهاب لمحل آبل في مركز تجاري عربي أو حتى في سوق درب غلف الشعبي في الدار البيضاء والسؤال عن أجهزة كمبيوتر (التفاحة). كم ستظهر جاهلا ومتخلفا ومثيرا للشفقة.
ميرسيديس الألمانية اختارت أن تصبح (بين تشي) وهي تحويل لاسم (بينز) إلى صيغة صينية تحيل على معنى السرعة مما يوافق صورة الماركة ويخدمها.
و(رونو) الفرنسية لم تجد سبيلا لتجعل الصينيين يتكلفون لي ألسنتهم لنطق اسمهما بصيغته الباريسية (خونو) فجعلت إسم الماركة في الصين (لي نوو).
حتى الماركات من العالم اللغوي الصيني تحتاج لتغير إسمها ليلائم السياق المحلي. (سامسونغ) الكورية أصبحت (سان سون) و(كانون) اليابانية تحولت إلى (جيا نون).
أما تويوتا فقد حافظت على اسمها المكتوب وحولت نطقه للصينية فصار اسمها (فين تيانغ). فكلمة (تويوتا) مكتوبة باليابانية تنطق بالصينية (فين تيانغ)!
ومن باب أولى أن كل منتج جديد يدخل الصين لا بد له من إسم صيني. ولا بد أن يكون مرفقا ببياناته بالصينية.
وكذلك كل تقنية جديدة وكل مصطلح علمي. وكل دواء وكل آلة. الباب مسدود أمام الكلمات اليونانية والرومانية وليس أمامها إن أرادت النفاذ إلى الصين إلا أن تلبس ثوبا صينيا وتقبل تحريفها بالشكل الكافي لتصبح مقاطع صوتية مقبولة وتحمل نبرات محددة من بين النبرات الصينية الخمس.
هل أدى هذا الإنغلاق اللغوي إلى تأخر الصين عن “ركب التقدم” الذي نسمع به في بلداننا المنفتحة لغويا دون أن نراه؟ أبدا. بل إن الماركات الصينية تغزوا العالم اليوم، و بأسمائها الصينية الأصلية. وربما نجد الأغاني والمسلسلات الصينية تملء الشاشات قريبا. فالعالم مولع بتقليد القوي وصاحب الثروة المتغلب.
#لغات_حية 16
هاتف تفاحة