أسفاري واللغات الحية (14)
أحمد القاري
قرية (شين جين) تحولت خلال ربع قرن إلى مدينة من ناطحات السحاب.
ولأنها مدينة حديثة فقد خططت بشكل جيد. فالشوارع فسيحة والساحات كثيرة والحدائق منتشرة حتى لقبت (مدينة الحدائق).
وتجد العمارة الواحدة تحتوي عددا كبيرا من المكاتب والفنادق وربما المدارس الصغيرة.
وقد أقمت مرارا في فنادق تحتل طابقا أو عدة طوابق من عمارة. وقد ازدهرت الصناعة الفندقية مع انفتاح الصين واشتدت المنافسة مما وفر للزبائن فرصة الاختيار والحصول على خدمات جيدة.
أغلب الفنادق توفر غلاية ماء والشاي والقهوة في الغرفة. ومع منشفة الاستحمام يتم وضع فرشاة ومعجون أسنان مع تشكيلة الصابون. كما يتوفر الماء الشروب مجانا. وعموما يعتبر مستوى الخدمات أفضل من مثيله في الفنادق المغربية.
كان الشاب في مكتب الاستقبال بالفندق حيث أقمت عند وصولي لأول مرة في يونيو 2005 يتحدث من العبارات الإنجليزية ما يتفاهم به مع الزبائن الأجانب وهم نسبة مهمة من الزوار. ولكنه لم يكن بأي حال يحسن اللغة.
عدت ذات مساء فلم أره وراء المكتب الصغير وإنما رأيت فتاة شقراء يبدو عليها الذعر. قالت لي (ماوس… ماوس… ذير إز أماوس إن ذ الروم). وأشارت إلى اتجاه غرفة يصدر منها ضجيج.
وجدت عامل الاستقبال رفقة شاب آخر مسلحين بمكنستين وهما يبحثان عن فأر تسلل من ثقب بجدار الغرفة.
الشاب والشابة إسرائيليان حضرا في زيارة سياحية. والصين من الوجهات المفضلة للإسرائيليين. الفتاة أصرت على أن يتم القبض على الفأر لتعود للغرفة. وعامل الاستقبال أكد بما يستطيع من كلمات وإشارات أن الماوس لن يعود ما دام ثقب الحائط أغلق.
كانا قد قلبا كل أثاث الغرفة وكان الفأر قد غادر لمنطقة أكثر أمانا بالطبع. لكن الفتاة ظلت مصرة على القبض عليه فيما كان صاحبها يحاول إقناعها بالعبرية بأن المكان أصبح آمنا.
والفئران والجرذان من الآفات التي تتحدى المدن الحديثة. وقد أتعبت مصالح البلديات في محاولة القضاء عليها. فهي مصرة على السكن والتكاثر بدون أي تنظيم للنسل في الأقبية والأسقف المزيفة والمجاري.
والظاهر أن صورة الفار في الثقافة الصينية ليست بذلك السوء. فهو يقدم في بعض الوجبات. ودورة السنوات الصينية الإثنى عشر تبدأ بعام الفأر.
وللفأر حضور في الأدب والحب أيضا. فقد صادفت حينها انتشار أغنية يسمعها الزائر تبث في كل مكان تقريبا. وتتكرر بالأغنية لازمة تقول:
أحبك حبا كحب الفأر أكل الأرز.
وكان معلم موسيقى مغمور يدعى (يانغ تشينغ غانغ) طرح الأغنية على الإنترنت في السنة السابقة فكانت أول تجربة تحقق نجاحا واسعا عن طريق الإنترنت في الصين. وأحب الجمهور طريقة أداء لازمة (أحبك حبا كحب الفأر أكل الأرز) فكانت سببا أساسيا في نجاح الأغنية في كل العالم الصيني. بل إنها ترجمت وتم أداؤها بلغات أخرى.
كل لغة تخفي خلفها ثقافة ومواقف ورؤية للعالم تختلف عما سواها. فاللغة تحمل معها إرثا ثقافيا لو فصل عنها لانعدمت. ولا يتم إتقان لغة إلا بضبط مجازها وآدابها ودلالات ما تحيل عليه من معاني وصور.
#لغات_حية 14
أحبك كما يحب الفأر أكل الأرز