رحل الوزير: لن تشهق الأرض ولن تهوي السماء
صالح التيزاوي
رحل الوزير، وسيخلفه وزير، والعبرة ليست بمن رحل، ولا بمن سيأتي بعده، فتلك سنن السياسة، “من سره زمن ساءته ازمان” وإنما العبرة بالإنجاز وبالإضافة. ولكن كثيرا من السياسين، أخص بالذكر، من نشؤوا في مناخات الإستبداد، وممن لم تتجاوز الديمقراطية عندهم مرحلة الكلام والشعار، دائما يتصورون أنفسهم استثناءا من التاريخ: لن يغلبوا من قلة، ولن يهزموا من قلة حنكة أو دهاء. أو لمجرد نقد، كثيرا ما يعتبرونه مغرضا، وأصحابه من “أعداء النجاح”، ولن يستسلموا للواقع، بل يطلبون من الواقع، أن يستسلم لهم وينتظرون من التاريخ أن يعلنهم “دونجوانات عصورهم”، “وأبطالا ليسوا كسائر الأبطال”، فهم من فرط نرجسيتهم، لا يكتفون بان يكونوا أبطالا، بل يريدون بطولة فوق العادة.
وكان هذا التمشي، من أكبر خطايا الوزير المقال، عندما ظن نفسه بيت الحكمة، والمنقذ من الضلال، وأنه “الأخير زمانه” وأنه “آت بما لم يستطعه الأوائل” فهو في الحقيقة بأسلوبه ذلك، جنى على نفسه وما جنى عليه أحد. “على نفسها جنت براقش”.
أسلوب تميز بالفردانية، والتسرع إلى حد الإرتجال، والإستهانة بالعملية التربوية وبالمربين: أغرق الوزير قطاعا حساسا بحجم التربية والتعليم في مستنقع من الفوضى: قرار، يطارد قرارا. ومنشور يلغي منشورا. كل شئ أصبح متحركا، وكادت تضيع الثوابت في زحمة قرارات، تتخذ بسرعة، وتلغى بسرعة أشد، مع إسراف في كلام غير مجد، بمناسبة ودون مناسبة، وأكثر هذا الكلام مدح للذات وجلد للآخرين، فهو أستاذ التاريخ الأوحد، وهو “ولد البطحاء” وهو الذي يوزع “عقود الملكية والكراء” على المواطنين، وكل الناس زائلون، أما هو فباق مثل الحجر في الوادي (وهذا التعبير للوزير). لقد غاب عن الوزير أن من أبطأ به عمله لن يتقدم به لسانه. بل أضر به لسانه، وطموحاته المفرطة. بلغت الفوضى في عهده، حدا لا يقبله عقل، ولا يستسيغه منطق، رافقتها حيرة بخصوص واقع الإصلاح التربوي، وآفاق المستقبل. ونحن لا نقول هذا من باب “إذا وقعت البقرة كثر سلاخها”، ولكن نسوقه لمن أراد أن يعتبر بعده.
رحل الوزير، ولم تنفعه “مناشدة” ولا “سينوج” ولا “البطحاء” ولا “الجبة” ولا “استطلاعات الرأي الزرقونية”. الآن، وبعد التنحية،”بالمختصر المفيد”، ما هو المطلوب؟
• إصلاح تربوي يستجيب لانتظارات التونسيين، واستحقاقات الثورة، ويضمن مجانية التعليم، والمساواة في الفرص بين التلاميذ.
• إخراج عملية الإصلاح من دائرة التجاذبات السياسية، ومن منطق الغلبة والغنيمة، والتعامل مع الإصلاح على أنه شأن وطني.
• الشفافية المطلقة في عمل اللجان، من حيث تركيبتها، ومحاور عملها وأن تضع نفسها في تواصل دائم مع المربين، ومع المهتمين بالشأن التربوي، من أجل أن لا يتم الإصلاح في غرف سرية، بعيدا عن أعين المراقبين.
• أن يأخذ التشخيص مداه، للوقوف بدقة على أوجه القصور والخلل في منظومتنا المترهلة.
• توفير مناخ من الثقة بين جميع المتداخلين في الإصلاح التربوبي، بما يضفي عليه مشروعية، ونجاعة.