تدوينات عربية

أسفاري واللغات الحية (8)

أحمد القاري
بعد أيام من التجوال في هونغ كونغ تذكرت بأن الجزيرة إنما هي نقطة عبور بالنسبة لي لزيارة الصين. وذلك للاطلاع على فرص استيراد معدات معلوماتية أو منتجات وراقة من هناك.
صورة الصين في ذهني كانت هي الصورة التي شكلها الإعلام. بلد شيوعي كل شيء فيه صارم والدولة تتحكم في حياة الناس بشكل كامل. الزحام شديد وحياة الناس صعبة. والغش في الإنتاج وضعف الجودة هي الأصل.
كنت قرأت عن منطقة (شينجين) الحرة المحاذية لهونغ كونغ. ولأني لم أر منطقة حرة غير جبل علي في دبي فقد تصورت أنها تشبهها.
جبل علي حين زرته في يونيو 2005 كان عبارة عن منطقة واسعة مخصصة لمستودعات ومكاتب شركات توزع منتجاتها على مناطق مختلفة من العالم من خلاله. لم يكن في المنطقة إنتاج وإنما كانت ميناء عبور لا تخضع فيه السلع للجمركة لأنها تدخل بغرض العبور إلى وجهتها النهائية. وكان حلا مناسبا للتسوق بالنسبة للتجار من بلدان عربية وإفريقية وآسيوية.
ومنطقة جبل علي صحراوية قاحلة وزمن الصيف تكون الحرارة بها كسائر ساحل الخليج مرتفعة بشكل لا يطاق. خارج مقرات الشركات يغلب على الجو والأفق لون ترابي بسبب الرياح والرمال والشمس. وبسبب ترامي مسافاته يتوجب على الزائر أن يحضر بسيارته الخاصة.
كنت أنظر بحذر أيضا إلى فكرة عبور هونغ كونغ إلى (شينجين) برا. فقد سمعت في تقارير إذاعية عن ازدحام المعابر. وتخيلتها مكانا يختنق فيه الناس من شدة التدافع، ويقضون الساعات في انتظار ختم جوازاتهم.
وكان علي أيضا الحصول على تأشيرة.
أعطتني موظفة الاستقبال في الفندق عنوان مكتب لخدمات السفر فذهبت إليه. الشاب الهونغ كونغي كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة مريحة. سألني عن وجهتي فقلت له (شينجين). سأل مستغربا: (شينجين فقط؟) قلت له نعم.
كم تريد من سفرة؟ قلت له واحدة. لم أكن أعرف تفاصيل الفرق بين التأشيرات.
طلب مني صورة وجواز سفري وحوالي 400 دولار هونغ كونغي (55 دولار أميركيا تقريبا) وقال لي عد مساء لأخذ الجواز.
كان في مكتبه كهل وكهلة أميركيان. سألاني عن خطة السفر فأخبرتهما بأني مبدئيا سأزور شينجين. قالا لي إنهما يزمعان أخذ القطار من هناك إلى بكين في رحلة طويلة شعبية عند السواح.
تحدثا وكأنهما يقترحان علي أخذ نفس الرحلة. ويبدو أنهما كانا يبحثان عن رفيق. وربما كانا مثلي متخوفين من الصين بسبب الصورة النمطية السلبية.
وفي العالم الصيني يكون كل غير الصينيين قبيلة واحدة. فتجدهم يتآلفون بسرعة. وقد لمست ذلك في تجارب كثيرة لاحقا. القبلية والقومية والانتماء دوائر تضيق وتتسع بحسب السياق.
(لقد حضرت في مهمة عمل) قلت لنفسي. وأكدت أن وجهتي هي المدينة القريبة فحسب. وتمنيت للكهلين رحلة موفقة.
تفرض الصين التأشيرة بناء على مبدأ المعاملة بالمثل. ولكنها سهلت للناس الحصول عليها بعد انفتاحها الاقتصادي وتحولها إلى سوق كبير يجذب كل العالم.
وفي إطار ذلك فتحت الباب للحصول على تأشيرتها في هونغ كونغ من خلال وسطاء أو من خلال مكتب الهجرة الصيني وهو أشبه بقنصلية في ما يقدمه من خدمات. إلا أنه لا يمكن أن يسمى كذلك باعتبار هونغ كونغ جزءا من الصين.
كانت التأشيرات أنواعا حسب الطلب. زيارة واحدة أو سفرات متعددة. شهر أو ستة أشهر. ولكل نوع مصاريف مختلفة.
السرعة وقلة الوثائق المطلوبة كانت سمة إصدار تأشيرات الصين في هونغ كونغ وحتى في الرباط وفق ما لمست لاحقا.
البلد الذي ظل طويلا مغلقا ومتوجسا من الأجانب وخائفا منهم انفتح على مصاريعه من أجل تنشيط الاقتصاد والتجارة.
سياسة تأشيرة صحيحة تسمح بتحقيق أهداف البلد التجارية والسياحية والاقتصادية عموما. وسياسة تأشيرة مزاجية، مثل المتبعة في المغرب حاليا، تضيع الكثير من الفرص وتحد من فعالية خطط السياحة والتجارة وتحرم البلد من فرص لا تحصى ولا تعوض.
#لغات_حية 8
تأشيرة الصين

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock