الديمقراطية الإسلامية أو شروط تمثيل “الإخوان” لثورة الشباب
أبو يعرب المرزوقي
لم أكن يوما إخوانيا. لكن المشروع هو الأقرب إلى فهم علاقة السياسي بالديني في الإسلام لولا فساد البنية المرشدية المحاكية لولاية الفقيه. ودليل صحة المشروع وسلامته، تعين في مقاومة نوعي الأنظمة العربية الفاسدة:
– القبلية التي تدعي تمثيل الأصالة.
– والعسكرية التي تدعي تمثيل الحداثة.
فنوعا الأنظمة العربية ونخبهما، ليست إلا توابع للانحطاط الذاتي لحضارة الإسلام، والانحطاط الاستعماري للحداثة الغربية: كلاهما مستبد فاشي وفاسد، وكلاهما يوظف الإسلام إيديولوجيا لمحاربة دوره في تحرير الإنسان روحيا (إذ يعيدون الوساطة) وسياسيا (إذ يحرمون حق الامة في حكم نفسها بنفسها).
وما هو صحيح في المشروع الإخواني، يتمثل في أمرين هما جوهر الرسالة:
– وحدة الأمة ورفض تفتيت دار الإسلام.
– وتكامل مقومي الإنسان الروحي والسياسي.
إذا تحرر الاخوان من ولاية الفقيه التي تمثلها المرشدية، (أي إضفاء الصبغة الدينية على السلطة السياسية) طابق مشروعهم مشروع القرآن السياسي.
وأكرر فهذا المشروع له بعدان:
1. وحدة دار الإسلام بشكل كونفدرالي أو فدرالي على مثال الولايات المتحدة الامريكية.
2. التكامل بين السياسي والروحي.
والروحي هنا، يعني حضور الديني والخلقي في السياسي، ولا يكون بالصورة التقليدية التي أساءت فهم دور الدين في التشريع: لا يشرع للنوازل بل للتشريع.
والخطأ الذي لازم أصول الفقه الإسلامي من بدايته، هو الاقتصار على تشريعات القرآن المدني، المساوق لممارسة الحكم وإلغاء الأحكام الدستورية القرآنية.
حدث ما يشبه الخلط بين القانون والدستور، وبدلا من أن تعتبر الاحكام الحاصلة أمثلة من تطبيق الدستور، صارت بديلا منه وغابت طبيعة التشريع القرآني.
وهذه أكبر العقبات التي تعينت فقهيا في مفهوم تطبيق الشريعة وأصبحت مطلبا شعبيا، حتى أهملت حقيقة التشريع الدستوري القرآني: أي تشريع التشريع.
فالتشريع القرآني، بوصفه تشريعا دستوريا، ليس تشريعا للنوازل، بل هو تشريع لهذا التشريع، أي إنه يحدد المعايير التي ينبغي أن يحترمها تشريع الجماعة.
وتشريع التشريع، الذي بمقتضاه يكون تشريع الجماعة مقبولا شرعا، له بعدان:
– خلقي يتعلق بصفات المشرع والقاضي.
– قانوني يتعلق بمبادئ إجرائية ومؤسسية.
ومعنى ذلك، أن التشريع القرآني “ميتاتشريع” وليس تشريعا مباشرا، ولذلك فهو من المتناهي، لأنها تشريع للتشريع، وليست من اللامتناهي تشريعا للنوازل.
وهذا هو الحل الذي يغني عن المرشدية وعن استبداد الفقهاء بالتشريع، خلطا عجيبا بين مجرد العلم بالفقه، وشرعية المشرع الشورية التي ليست للفقيه.
فيمكن لغير المسلم أن يعلم الفقه، لكنه لا يمكن أن يكون مشرعا للمسلمين.
وإذن فمجرد العلم بالفقه شرط ضروري، غير كاف ليكون المرء مشرعا للمسلمين.
وقع خلط بين العلم بالفقه، وشرط الحق في التشريع، الذي لا يكون بمجرد العلم بالفقه، بل لا بد من أن تختار الأمة من يشرع لها سلطة تشريعية غير قضائية.
وفي هذه الحالة، يمكن للمشروع الإخواني أن يصبح مشروعا مطابقا لحل الإسلام لأكبر معضلة في التاريخ السياسي والروحي: الجمع بين التشريع وما بعده.
فلنفهم أن التشريع القرآني، مقارنة بالقانون الوضعي، هو التشريع الدستوري للمبادئ القانونية والخلقية للسلط، إلى التشريع القانوني للنوازل.
اعتبار علم الفقه كافيا للتشريع في دولة الإسلام، يشبه اعتبار العلم بالقانون الوضعي كافيا للتشريع في الدولة الحديثة: هل كل أستاذ قانون مشرع؟
أما أمثلة الأحكام في دولة الرسول -القرآن المكي والحديث المكي- فسرها أن النبي ليس مجرد عالم بالفقه، بل هو مشرع: يتوفر فيه الشرط الكافي كذلك.
والغفلة عن ذلك، هو الذي يجعل العلماء يزعمون أنهم ورثة النبي.
النبي لا يورث لا في علمه ولا في عمله. هو نموذج ومثال أعلى نقتدي به ولا نرثه.
وحتى لو زعم أحد الفقهاء أنه بلغ درجة علم تضاهي علم النبي في تطبيق تشريع التشريع القرآني، فإنه لا يملك الشرط الكافي، أي انتخاب الأمة له مشرعا.
فالنبي لم يحكم إلا بعد البيعة: ورغم اصطفائه للرسالة، لم يشرع من دون البيعة، لكن الفقهاء استبدوا بسلطة التشريع بمجرد العلم بالفقه، وهو غير كاف.
وكلنا يعلم أنه يوجد الكثير من المستشرقين أعلم بالفقه من الكثير من الفقهاء: فهل يحق لهم أن يشرعوا للمسلمين؟ ولا يكفي حتى بإضافة شرط الإسلام؟
لا بد من العلم والإسلام والبيعة أو التعيين من سلطة شرعية، من مشمولاتها تعيين من يشرع، حتى لو رضينا بما لا يطابق الشورى العامة: الآية 38 من سورة الشورى.
إذا ميز المشروع الإخواني بين العلم بالفقه، وحق التشريع الناتج عن سلطة تشريعية مستمدة من الجماعة، لم يعد فارق بين الشورى العامة والديمقراطية.
وهذا التمييز لن يلغي دور المبادئ لخلقية والقانونية القرآنية، التي ينبغي أن تحقق الجمع بين السياسي والروحي في الإسلام لأنها تشريعُ تشريعٍ.
وقد بينت في حواري مع المرحوم البوطي، أن القرآن تشريعُ تشريعٍ، وليس تشريعا مباشرا للنوازل، واستنتجت عدم الحاجة لنظرية المقاصد لإدامة هذا الخلط.
حيل القياس والاستحسان والمقاصد كلها لإدامة هذا الخلط بين التشريع للنوازل، والتشريع الذي يحدد معايير التشريع، الذي يعتبره القرآن مشروعا دينيا.
الإيهام بأن الديني في السياسي يمر بالفقهاء، من حيث هم علماء بالشرع فحسب، خطأ فادح، لأن ذلك شرط ضروري، حتى في القانون الوضعي، لكنه ليس كافيا.
وأقصى ما نشترطه كمسلمين، في مثل إرادة الأمة، العلم بالقانون عامة، وبشروط شرعيته الخلقية والسياسية، بمعايير صفات القانون الشرعي القرآنية.
لكن أعداء دولة الإسلام يريدون المحافظة على تفتيت دار الإسلام، وعلى حصر الدين في العبادات، وفي إضفاء الشرعية الزائفة على استبدادهم وفسادهم.
وهذا هو سر عدائهم للإخوان، وعداء حماتهم: فوحدة دولة الإسلام الفدرالية على الطريقة الأمريكية، والجمع بين قيم القرآن والسياسة، هما ما يزعجهم.
ويوم يتخلص الإخوان مما حاولت بيانه هنا، سأكون واحدا منهم، لأن ما نذرت له حياتي هو هذا المشروع: وحدة دار الإسلام والجمع بين السياسي والروحي.
فالمسلمون اليوم مستعمرون ومستضعفون بسبب فرقتهم، وبسبب نخبهم التي جعلت السياسة استبدادا وفسادا ومتاجرة بالأوطان وبكرامة الإنسان وحريته.
ولما كنت أعتبر نفسي مجتهدا بالفكر ومجاهدا بالفعل السياسي قدر مستطاعي، فإني أخصص الكثير من وقتي لهذه الرسالة، واعتبر أعداء الثورة أعداء الإسلام.
والفرقتان الدينيتان اللتان يوظفهما أعداء الإسلام للحرب على الثورة والاخوان، أي سلفية البلاط وصوفية الاستعمار، معاديتان لاستئناف الإسلام دوره.
وبهذا المعنى يمكن للإخوان أن يؤسسوا الديموقراطية الإسلامية، التي يكون الإسلام مرجعيتها بهذا المعنى الذي حددنا دوره: القرآن “ما بعد تشريع”.
والقرآن حدد طبيعة النظام الشورى واسلوب إدارته: فهو نظام، الامر فيه أمر الجماعة، واسلوب تسييره هو الشورى العامة أو الديمقراطية: الآية 38 من سورة الشورى.
فيكفي ترجمة كلمة أمرهم، مع تعويض الضمير بمن يعود عليه: الجماعة.
إذن طبيعة النظام “جمهورية”. أمر+ جماعة =راس + بوبليكا = جمهورية بالمصطلح الفلسفي.
وأمر الجماعة يدار بالشورى العامة: شورى بينهم وليست شورى اهل الحل والعقد.
إذن طبيعة النظام: جمهورية باللاتيني، وأسلوبه: ديموقراطية باليوناني.