أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (3) / الإسلاميون نموذجا
مازال الإسلاميون عالقين في الماضي، مشدودين إلى الوراء (الإغتراب في الماضي)، منكفئين على أيام مضت، حتى كادت صلتهم تنقطع بتيار الحياة الجارف والمتجدد. واكتفى الإسلاميون برفع شعارات فضفاضة من قبيل: “الإسلام هو الحل” و”لا شرقية ولا غربية”. فالناس اليوم وخاصة بعد الثورة يريدون حلولا للبطالة، ويريدون حلولا لظاهرة الفقر، ويريدون حلولا لتدني مستوى التعليم، ولتدني الخدمات الصحية، ومشكلات البيئة.
وهم مدعوون اليوم بعد صعودهم إلى الحكم (المغرب وتونس) لتجاوز مرحلة الشعارات التي لا تطعم جائعا، ولا تداوي مريضا ولا تشغل عاطلا، إلى مرحلة جديدة يكون عنوانها الأبرز استنباط الحلول، وأن يستفيقوا من دهشتهم (دهشة الإستئصال قبل الثورة ودهشة الوصول إلى الحكم بعد الثورة). على الإسلامين أن يعوا بأن التجارب الماضية في الحكم وفي التعامل مع المجتمع ومع المخالفين لئن نجحت في زمانها فإنه من العسير اليوم إسقاطها على واقع مختلف. ذلك أن الواقعية من أبرز خصائص الإسلام، فهل من المقبول اليوم أن يغمض المنتسبون للإسلام أعينهم عن واقعهم المتأزم؟
إن الإستلهام من التراث مطلوب، ولكن دون البقاء في اسره، حتى لا ينقطع الناس عن واقعهم. ومن الواقعية أيضا أن ينفتح الإسلاميون على كل التجارب الإنسانية لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها، وهو أولى بها، تذكر السيرة النبوية أن الرسول الأكرم عندما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومون أياما محددة من السنة فقال صلى الله عليه وسلم: “نحن أولى بموسى منهم”. إن الإنفتاح على التجارب الإنسانية التي تعلي من كرامة الإنسان وتحقق مصالحه الأساسية التي لا تستقيم الحياة دونها، هي من جوهر الإسلام حتى وإن لم تحمل لافتة إسلامية.
يبدو الواقع الراهن أشد تعقيدا من ذي قبل، وإن مشاكل البلاد ليست سهلة، وليس في متناول أي حزب مواجهتها منفردا. يقول المفكر “أحمد كمال أبو المجد” (الإسلاميون لا يواجهون واقعهم إلا بكلمات وشعارات متمنين على الله الأماني). نرى الإسلاميين يبذلون مجهودات ضخمة لجر الناس إلى التدين جرا (التدين الشكلي)، ولو وجهت تلك الجهود لحل مشاكل الواقع لكان ذلك أفضل للجميع.
عليهم أن يقتنعوا (ونلحظ بوادر اقتناع مع تجربة الحكم) بأن الإعتقاد قضية متروكة إلى عقل الإنسان ووجدانه. يقول العلامة محمد الغزالي “إن الإكراه على الدين لا يصنع الإنسان المتدين، كما أن الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل”.
بعض الإسلاميين مازالوا منشغلين بصغائر الأمور من قبيل: آداب اللباس، آداب العلاقة بين الرجل والمرأة، إسبال اللباس من عدمه تحت الكعبين أثناء الصلاة، النقاب، إنها قضايا أكلت من عمر الأمة الكثير، وفوتت عليها فرصا جدية لاستعادة دورها الحضاري.، والخروج من حالة التيه والدهشة الحضارية.
البعض الآخر من الإسلاميين، مازال يستخدم العقل في قراءة التجارب الماضية بحجة الإستلهام منها، وربما تمجيدها في محاولة لإقناع الناس بقوة التراث وعنفوانه، وحري بهؤلاء جميعا ان يستخدموا العقل في استنباط حلول جديدة لواقعهم المر. وأن يبدعوا البدائل المرجوة، في عالم تجاوز مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة.
أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (1) / اليسار نموذجا
أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (2) / القوميون العرب نموذجا