الفقر التونسي هو فقر في ذكاء المسؤولين السياسيّين
عبد اللّطيف درباله
الفقر التونسي الحقيقي الوحيد هو فقر في ذكاء وكفاءة رؤساء الدولة والحكومات والمسؤولين السياسيّين التونسيّين..
هذا البلد الذي اسمه “تونس”.. بموقعه الجغرافي ومساحته وطبيعته ومناخه وموارده وثرواته وسكّانه.. يملك كلّ المقوّمات ليكون بلدا مزدهرا وغنيّا ومتطوّرا وعصريّا.. وأن يحيا مواطنوه في أفضل حال ورخاء..
فالموقع الجغرافي لتونس ممتاز جدّا.. إذ تقع بشمال إفريقيا على ضفاف جنوب البحر الأبيض المتوسّط.. على مسافة وسطى في منطقة عبور بين الشرق والغرب.. ومنطقة مرور من الشمال إلى الجنوب والعكس بالعكس..
وتقع تونس على بعد عشرات الكيلومترات فقط بحرا من الأراضي الإيطاليّة.. وعلى بعد بضع ساعات بالسفن من سائر الشواطئ الأوروبيّة المتوسطيّة.. وعلى مسافة تتراوح ما بين ساعة فقط وثلاثة ساعات على الأكثر جوّا لكلّ مدن أوروبّا.. من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها.. ونفس الشيء بالنسبة إلى الكثير من المدن الإفريقيّة والعربيّة..
تقع على حدوده الشرقيّة ليبيا وعلى الحدود الغربيّة الجزائر.. وهما بلدان كان من “حظّ” تونس أنّهما لم يشهدا صناعة متطوّرة.. ولا سياحة مزدهرة.. ولا تقدّما طبيّا كبيرا.. ممّا جعل تونس قبلة ملايين الليبيّين والجزائريّين طوال سنوات للتسوّق والتبضّع وللسياحة وللتداوي والعلاج.. وهو ما يوفّر مجالا للنشاط في عديد المجالات..
تتمتّع تونس بطبيعة ساحرة ومتنوّعة.. فهي من البلدان القليلة في العالم التي تجمع بين تضاريس مختلفة في نفس الوقت.. منها الشواطئ (بطول 1300 كلم).. والصحراء.. والسهول الواسعة.. والجبال والهضاب والمرتفعات.. والغابات بأنواعها..
ومناخها معتدل عموما.. بطقس جاف وحارّ جنوبا دون أن يصل إلى درجة حرارة بلدان الخليج والصحراء الكبرى.. وطقس معتدل وممطر شمالا.. يقترب من مناخ جنوب أوروبّا..
وهي لذلك تتمتّع بجمال طبيعيّ خلاّب ونقاط جذب سياحيّة عديدة.. تضاف لها ثروة من الآثار القديمة تمتدّ إلى آلاف السنين.. أغلبها لم يقع التنقيب عنه وكشفه واستغلاله حتّى اليوم.. وتغطّي حضارات مختلفة منها الأكثر شهرة وتفوّقا وهي الفينيقيّة والرومانيّة وكذلك العربيّة والإسلاميّة أيضا..
وبفضل تنوّع تضاريسها ومناخها.. تملك تونس منتوجا فلاحيّا متنوّعا جدّا وثريّا.. كالحبوب والزيتون (والزيت) واللّوز والتمور والقوارص والخضر وغلال أخرى.. كما يمكن تربية الماشية على أغلب الأراضي في أنحاء البلاد.. إضافة إلى ثروات بحريّة لا بأس بها.. وأغلبها منتجات مطلوبة في الخارج..
تملك تونس أيضا ثروات طبيعيّة عديدة مثل كميّات هائلة من الفوسفاط.. بدأ استغلالها منذ عهد الاستعمار الفرنسي ولا يزال متواصلا حتّى اليوم.. ويقدّر مخزون الإحتياطي المتوفّر ببضع مليارات من الأطنان.. مع كميّات محترمة جدّا من البترول والغاز.. إضافة إلى نصيب في شكل عمولة عينيّة مهمّة على صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا والذي يعبر الحدود التونسيّة.. مع وجود طاقات بديلة في تونس مثل الشمس والرياح.. إضافة إلى معادن أخرى عديدة بكميّات متفاوتة منها الحديد والرصاص والزنك وغيرها.. وتقديرات بوجود كميّات من الذهب والفضّة لا تزال غير معلومة لعدم تقديرها واستغلالها.. إضافة إلى مواد خام أوليّة عديدة تصلح لصناعة الإسمنت والجبس والرخام وسائر مواد البناء الأخرى…
الشعب التونسي البالغ ما يزيد عن 11 مليون نسمة.. النسبة الغالبة منه من الشباب أي بطاقة عمل كبرى.. ويتميّز بنسبة هامّة من الشباب المتعلّم.. بمستويات مختلفة منها الجامعيّة.. وببنية تحتيّة محترمة للتعليم والتكوين المهني.. وهو ما من شأنه توفير العقول والإطارات واليد العاملة المختصّة وذات الكفاءة والمنتجة..
وبالنظر إلى كلّ التقارير الوطنيّة والدوليّة الصادرة على أساس أبحاث ودراسات دقيقة ومعمّقة.. فإنّ حجم الأموال المنهوبة بفعل الفساد وعمليّات النهب والاستيلاء على المال العام وموارد الدولة من طرف أهل السلطة والحكم طوال الستّين سنة الموالية للإستقلال تبلغ مئات مليارات الدينارات.. وهو ما يعكس حجم الأموال والثروات المتداولة في البلاد..
كلّ ذلك يؤكّد على أنّ تونس كان يمكنها أن تكون أفضل بكثير.. وأكثر غنى وازدهارا وتطوّرا.. وأن يكون مواطنوها أكثر ثراء ورخاء.. لو وجدت بلادنا حكومات ذكيّة وذات رؤية وكفاءة وبرنامج طموح.. وقادرة على استغلال كلّ خصائص البلاد الجغرافيّة والمناخيّة وكلّ مواردها الطبيعيّة والبشريّة.. وإدارتها بطريقة ناجحة وناجعة.. ونزيهة..
فإذا ما كانت بلادنا اليوم.. ومنذ سنوات طويلة.. عاجزة وفقيرة ومديونة.. وفاشلة ومتخلّفة بالنّظر إلى المستوى الذي كان يمكنها أن تكون عليه فعلا.. فليس ذلك لأنّ تونس “فقيرة” و”معدمة” ولا تملك “موارد” ولا “ثروات” أو “طاقات بشريّة”.. كما أدخل حكّام تونس المتعاقبون ذلك كذبا وزيفا في وعي المواطنين على مرّ العهود والأجيال.. وإنّما لكون هؤلاء الحكّام أنفسهم هم “الفقراء” معرفيّا.. و”المعدمون” فكريّا.. والذين لا يملكون “موارد” من المهارة السياسيّة.. ولا يملكون “ثروات” من الذكاء والرؤى.. وليس عندهم “طاقة” للعمل.. تؤهّلهم لحكم وإدارة تونس.. ومسك السلطة فيها..