مقالات

الميديا الاجتماعية: المصانع الجديدة للرأي العام

عبد الله الزين الحيدري

تناقش الدراسة التغيير العميق الذي حدث في الخارطة الإبستمولوجية للمجال العمومي الميدياتيكي، بفعل تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ودفع بظهور موجة جديدة من التفكير المبني حول دور شبكات التواصل الاجتماعي “الفعَّال” في توجيه الرأي وصناعته.

ملخص
تناقش الدراسة التغيير العميق الذي حدث في الخارطة الإبستمولوجية للمجال العمومي الميدياتيكي، بفعل تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ودفع بظهور موجة جديدة من التفكير المبني حول دور شبكات التواصل الاجتماعي “الفعَّال” في توجيه الرأي وصناعته. وبدأ يَتَشَكَّل في الأوساط الأكاديمية نسقٌ فكريٌّ مغالٍ للدور الذي تُؤَدِّيه الميديا الاجتماعية في الحشد والتعبئة، إلى حدِّ إحياء نظرية الرصاصة السحرية من جديد، واعتبارها المرجعية العلمية لفهم الثقل الميدياتيكي في المستوى الوظيفي لشبكات التواصل الاجتماعي. وقد عزَّزت نماذج كثيرة من الاستخدام الناجح لشبكات التواصل الاجتماعي هذا النسق الفكري، ولاحت بمثابة الدليل الأمبريقي الذي لا يقبل التشكيك في نجاعة الميديا الاجتماعية كوسط ميدياتيكي تتحوَّل فيه الأفكار إلى قوة فاعلة في المجتمع. فمن أحداث ما أصبح يُعْرَف بالربيع العربي، أواخر 2011، الذي أدَّت فيه مواقع التواصل الاجتماعي دورًا مركزيًّا في اندلاع الثورة بتونس، إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، سنة 2012، التي حقَّق فيها المرشح الديمقراطي باراك أوباما فوزًا ملحوظًا، مُسْتَفِيدًا من قوة الإعلانات على شبكة الإنترنت، إلى حادثة الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا، في 15 يوليو/تموز 2016، وقد لاحت خلالها شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة المنقذ الفريد لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان. وتطول قائمة الأمثلة الناطقة بدور الميديا الاجتماعية في صناعة “المعجزات” بأصنافها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وتُحَاجِج الدراسة بأن التسليم بصحة قوة التأثير التي تتمتَّع بها شبكات التواصل الاجتماعي، هو، من وجهة نظر سوسيولوجية، إغفال لشبكة العناصر الإنسانية والتقنية الـمُؤَلِّفَة لواقع الأحداث المركَّب؛ لأن الأحداث لا تصنعها تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ولا تقودها، بقدر ما تكون وليدة لنسيج مُعَقَّد لتفاعلات إنسانية-تقنية (humano-technical)، وهذا الذي تسعى دراسة الحالة إلى الكشف عنه باعتماد مقاربة نظرية حديثة؛ إذ يحاول الباحث تفكيك عناصرها ضمن معادلة رياضية، هي الأولى من نوعها في الكشف عن قوة تأثير الميديا الاجتماعية، التي يصفها بـ”المصانع الجديدة للرأي العام”. وتوصي الورقة بضرورة تخطِّي الدراسات الإعلامية لبراديغم التبسيط القائم على البحوث الوصفية ودراسات الجمهور التي تَسْكُنُها استنتاجات مُنَمْذَجَة وأرقام باهتة لا تجيب عن أسئلة المجتمع، ولا تُقَدِّم إضافة للعلم؛ وهو ما يتطلَّب من وجهة نظر الباحث التَّصدِّي لفهم المشكل الإعلامي والاتصالي بذهن مفتوح على حقول معرفية مختلفة في إطار ما يُسَمِّيه بالمقاربة “التَّنَاهُجِيِّة” التي تتيح تثبيت أسس منهجية وإبستمولوجية جديدة لعلوم الإعلام والاتصال وتمكِّن من فهم أفضل لكيفية تحرُّك المعلومات وتحوُّلها من طاقة كامنة إلى قوة فاعلة في المجتمع.

مقدمة الاهتمام الفائق بالدور الذي تُؤدِّيه الميديا الاجتماعية في تداول قضايا الشأن العام ومناقشتها والتأثير في صناعة الرأي، يكاد يكون المشكل الأبرز، المطروح اليوم في بحوث الإعلام والاتصال، العربية على وجه الخصوص، ذلك لأن الفعل الاجتماعي، بالمعنى الذي حدَّده ماكس فيبر (Max Weber)(1)، ظلَّ محكومًا بالوظائف التواصلية التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي. لقد وضعت هذه الوظائف شبكة الإنترنت في بُؤْرَةِ الاهتمامات الاجتماعية ولاحت بمثابة المحرِّك الذي أدَّى إلى إبراز دور الفرد في بناء واقعه المعيش، ودوره كذلك في إعادة هَيْكَلَتِه على نحو ما يُسَمِّيه عالم النفس الاجتماعي كارل ويك (Karl Weick): دور الفرد الحيوي لتجسيد الواقع(2).ومن الجائز أيضًا اعتبار مرحلة الانبهار بتطور الأنظمة الاتصالية المندمجة سببًا آخر وراء ما يحدث من تركيز واعتناء بدراسة شبكات التواصل الاجتماعي، ميديولوجيًّا وسوسيولوجيًّا، وهي مرحلة شبيهة بالتي ميَّزت ظهور الإذاعة والسينما، والمعروفة بمرحلة التأثير القوي لوسائل الإعلام؛ إذ ساد الاعتقاد خلالها بأن وسائل الاتصال الجماهيري تنفرد بالتأثير الفعَّال والمباشر على سلوك الأفراد، وهو اعتقاد اختزلته نظرية عُرِفَت بنظرية الرصاصة السحرية(3).
تعود اليوم مرحلة الانبهار بالتقنيات الإعلامية والاتصالية لِتُخَيِّم بظلالها على أدبيات الإعلام والاتصال، واضعة من جديد البنائية الوظيفية منهجًا لتفسير مشهد التفاعلات المركَّبة الجارية على شبكة الإنترنت. لقد ظل هذا المشهد المتلاطم بالصراع والتغير السريع، صراع من أجل تحقيق الذات وتقرير الواقع، على امتداد عقود من الزمن صناعةً مُمَأْسَسَةً تتولى إدارتَها وسائلُ الإعلام التقليدية. فالصراع والتغير هما العنصران البارزان عند التفكير في الشبكات الاجتماعية. وسواء تعلَّق الأمر بالتدوين كأسلوب لسرد السير الذاتية والتسويق الفكري والأيديولوجي والسياسي والاقتصادي، أو بالتسريب الإعلامي كوسيلة لإفشاء خفايا وأسرار السياسات العالمية وفضح الانحرافات في إدارة الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أو بشبكات التواصل الاجتماعي، على غرار تويتر وفيسبوك وماي سبايس وإنستاغرام…، فإن مقاصدَ الاستخدام للمواقع الاجتماعية برمتها، كَامِنٌ في التعبير الحر عن الرأي، أولًا وقبل كل شيء، والإسهام في مناقشة قضايا الشأن العام بما ينسجم ومزاج الفاعلين في عمليات التواصل، وكذلك في الصراع من أجل تشكيل الواقع عبر صناعة المعنى، وهي الصناعة المثيرة التي وصفها بودريار، وليوتار، ورواد النظريات النقدية، بـ”الصناعة المزورة للواقع”(4).
ولما كانت قضية الميديا الاجتماعية قضية صراع وتغير، فإنه لا يمكن فهمها، سوسيولوجيًّا، من خلال المقاربة الوظيفية كنظرية اجتماعية تهتم أساسًا بالتوازن والتكامل في مستوى النُّظم. الميديا الاجتماعية وسط فردي دينامي يتحقَّق في الوسط الجمعي والجماهيري، واستخدامها اليوم يلوح بمثابة القدرة العامة التي يقدر عليها كل من يمتلك الحد الأدنى من الثقافة الرقمية، بما يُفسِّر استبطانها للفوضى بالمعنى الفيزيائي للكلمة. والمقصود بذلك هو أن ما يجري في حدود الشبكة العنكبوتية من عمليات تواصلية مركَّبة، متنامية، يُجسِّد في واقع الأمر سلسلة لا متناهية من السلوكيات العشوائية غير القابلة للقياس الدقيق، والتي لا يمكن احتواؤها بفعل تعديل يحدث داخل النظام؛ لأن البيئة الجديدة المسماة اليوم بالإعلام الجديد، مُهَيَّأَة لحدوث الفوضى لاعتبارها نظامًا ديناميًّا مُعَقَّدًا، تَحْدُث داخلها سلوكيات غير منتظمة وغير مستقرة، بل إن عناصرها المادية والرمزية مُوَلِّدَة لمثل هذه السلوكيات. فالفوضى، بتعبير آخر، هي خاصية من خصائص هذه البيئة اللاخطية، التي أصبح من العسير التحكُّم في ديناميتها والتنبُّؤ بحالاتها المستقبلية. تظلُّ حينئذ دراسة الشبكات الاجتماعية، بطبيعتها الفوضوية المتغيرة، مستعصية على القوانين التي تحكم الظواهر المستقرة، وهي الظواهر القابلة للتفسير والتحليل باستخدام المناهج السائدة في العلوم الطبيعية.
1. مشكلة البحث وأبعاده النظرية 
حقل الجاذبية في موضوع شبكات التواصل الاجتماعي هو إنتاج المعنى مع كل ما يتفرَّع عن ذلك من بث وتبادل وتفاعل لِمَا يتم إنتاجه. ويتخذ إنتاج المعنى منحى فرديًّا مُوغِلًا في التمركز حول الذات واستكشاف الأنا كشكل من أشكال تحقيق الذات وإنتاج التعدد والاختلاف، والتصدي، في الوقت ذاته، لأنساق الهيمنة والاستبداد في المجتمع. واللافت للانتباه في الظاهرة، هو أن كل الذي يحدث من تفاعل وتذاوت عبر الشبكة، إنما يجري بواسطة اللغة بوصفها الفضاء النموذجي المناسب لتأسيس فكر تواصلي قوامه التذاوتية* (Intersubjectivity)؛ لأن لها من “الطواعية” على حد عبارة المسدي(5)، ما يسمح بصناعة الوضوح والتشويش، وإنتاج التوافق والاختلاف، وممارسة الاعتراف والاستبعاد، وتحقيق الإظهار والإخفاء، ولها من الطواعية كذلك ما يسمح بإتاحة ما يُعْرَف في الفكر اللساني بـ”التدبير الخلَّاق في اللغة” لامتلاكها خاصية تُسمَّى بالتقطيع المزدوج، أو التمفصل المزدوج(6). “ولا ريب أن كل المقاربات جميعها، على اختلاف عناصرها النظرية والإبستمولوجية، قديمها وحديثها، فلسفية كانت أم غير ذلك تُجْمِع على اعتبار اللغة حقلًا للتواصل ومجالًا للتفاهم. فاللغة كما أدركها هايدغر (Heidegger) في علاقتها القيمة بالقضية الجوهرية، ألا وهي قضية الكائن وحقيقته، هي مسكن الكائن، أو هي بيت الوجود على حدِّ تعبيره. وهي كما يراها بيرس (Peirce)، الذي يعد جميع عناصر العالم علامات ورموزًا، وجودًا في المكان واللامكان. ونجدها عند بلومفيلد (Bloomfield) سلوكًا بحد ذاته. أما اللغة بالنسبة إلى دريدا (Derrida)، فإنها مركز الوجود؛ إذ باللغة يتسنَّى رؤية الوجود، لذلك نراه “يدعو إلى نظرة جديدة للغة، نظرة يتحول فيها الواقع إلى مجموعة من الأقنعة البلاغية، فاللغة هي التي تُنْشِئ مفاهيمنا عن العالم وهي التي تضع العلم والفلسفة والميتافيزيقيا(7)، كما يدعو أيضًا إلى “استعمال حر للغة بوصفها متوالية لا نهائية من اختلافات المعنى”(8). وأما اللغة عند هابرماس (Habermas) فإنها “الحل الأنجع لإحلال التفاهم لذلك نجده في نظرية الفاعلية التواصلية يتخذ منها قاعدة مركزية لبناء مشروعه الفلسفي للفعل التواصلي، ويعتبر اللغة العادية اليومية بالخصوص المجال التواصلي الملائم للتعبير والحوار”(9).
والمهم في أمر اللغة حين يجري الحديث عن شبكات التواصل الاجتماعي، هو أنها، فضلًا عن كونها مركزًا للوجود، وحقلًا للتواصل ومجالًا للتفاهم، فإنها الـمُغَذِّي الأساسي للغلاف السيميائي الذي يتحرَّك في فلكه المجتمع. وهنا تبرز خطورة شبكات التواصل الاجتماعي في وجودها كوسط فاعل في تَشَكُّل الغلاف السيميائي الذي تخلقه اللغة؛ لأن هذا الغلاف هو بمثابة البصيرة المحققة للوعي بقضايا المجتمع، وهو الذي في ضوئه تتحدَّد منظومة الأخلاق والقيم المكيِّفة لحياة الناس. والحقل الاستفهامي الذي يُشكِّل مدار إشكالية دراستنا هو: إلى أي مدى يمكن اعتبار شبكات التواصل الاجتماعي مُحَدِّدًا قويًّا في بناء الرأي العام، خصوصًا أن نسب المستخدمين في العالم لهذه الشبكات تتزايد كل يوم؟(10). وهل الحضور المضاعف لشبكات التواصل الاجتماعي في حياة الناس مجرد حتمية تكنولوجية سبق لماكلوهان أن تحدث عن تجلياتها، أم أنه حضور فاعل في حركة التغير الاجتماعي وحاسم في اختياراته؟ هل باتت الشبكات الاجتماعية المُوَلِّد الحقيقي للفعل الاجتماعي مثلما يلوح في ظاهر الأحداث الاجتماعية، والسياسية بالخصوص، كما هي حال أحداث الربيع العربي، أو أحداث الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، خلال يوليو/تموز 2016، الذي هزَّ الحياة السياسية محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؟ هل يجوز اعتبار المواقع الاجتماعية الوسيط الميدياتيكي القوي الذي أَنْقَذَ نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من محاولة الجيش الاستيلاء على السلطة؟
إن الإجابة عن أسئلة الدراسة كامنة في الفهم الأفضل لطبيعة عمل شبكات التواصل الاجتماعي كوسط يتحقَّق في حدوده الفعل الاجتماعي ومقاصده، وهذه حالة مرتبطة هي الأخرى بالفهم الأفضل لنظرية الفوضى (Chaos Theory)، كإحدى أهم النظريات الرياضية الفيزيائية التي برزت مطلع ستينات القرن العشرين، وهي نظرية تهتمُّ بدراسة النظم الديناميكية اللاخطية. كما تستدعي الإجابة عن أسئلة الدراسة الفهم الأفضل لنظرية الشبكة الفاعلة (Actor-Network Theory)، بوصفها مقاربة اجتماعية تم تطويرها مع مطلع ثمانينات القرن العشرين، تأخذ في الاعتبار العناصر غير الإنسانية في تحديد الفعل الاجتماعي، وهذ ما يساعدنا على فهم أفضل لدور شبكات التواصل الاجتماعي في تكوين الرأي العام، ويجنِّبنا في الآن ذاته الوقوع في فلك النظريات الكلاسيكية للعلوم الاجتماعية مثل نظريات التقدم الاجتماعي(11)، ونظريات الدورة الاجتماعية(12)، والنظرية الوظيفية، وهي نظريات معيارية، في جزء كبير منها، لا تعترف بوجود الفوضى في الفعل الاجتماعي وفي حركة التطور والتقدم.
وتركيزنا على نظرية الفوضى مهمٌّ جدًّا في دراسة المشكلات الاجتماعية المتصلة بالإعلام الجديد عمومًا. وقد بيَّنا في مواضع عدة(13) جدوى الرجوع، في مثل هذه السياقات، إلى هذه النظرية لاستثمار مبادئها العامة بعد إفراغها من خصائصها الرياضية والفيزيائية؛ ذلك لأن موضوع دراسة الحالة يخصُّ النظر في سلوك اجتماعي يحدث ضمن نظام اجتماعي دينامي لا خطي، حامل لخصائص الأنظمة الدينامية اللاخطية التي تسكنها الفوضى بالمعنى الفيزيائي للكلمة. وأما اعتمادنا لنظرية الشبكة الفاعلة، فيعود إلى حقيقة أن المجتمعات تعيش اليوم في عالم مضطرب، مشحون بالتقلُّبات السريعة والفجائية أحيانًا، عالم قد تتحوَّل فيه الظاهرة الفردية إلى ظاهرة عامة، والظاهرة المحلية إلى ظاهرة دولية، والعكس صحيح، ومنه يكون الفهم الحقيقي لمورفولوجيا الفعل الاجتماعي، الذي يظل باستمرار وليد سلسلة من العوامل غير المتجانسة، ضمن شبكة دينامية، مختلفة العناصر، مركَّبة البنى، يكون رهن دراسة الشبكات الرئيسة والفرعية التي تَشَكَّل في حدودها. فنظرية الشبكة الفاعلة تقود للكشف بدقة عما يُعْرَف بمسار التبعية (Path dependency) المتمثِّل في كيفية تحوُّل حالة عادية لا أهمية لها إلى حالة استقطاب قوي ذات نفوذ ميدياتيكي واسع. 
2. من باراديغم الضبط إلى باراديغم الاستقطاب 
إن من أبرز ملامح شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع التدوين الشخصي، وأهمها على الإطلاق هو أنها، بطبيعتها المتطورة، المرنة، باتت وسائل إعلامية جماهيرية بيد الأفراد الاجتماعيين. ويتحدث الباحثون في هذه الحالة عن الميديا الجماهيرية-الفردية(14) كمجال عمومي أعاد من جديد رومانسية القرن الثامن عشر، التي عصفت بمجالات الأدب والفن والفلسفة، إلى قلب الساحة الميدياتيكية، مُعْلِنًا عن ثورة حقيقية ضد أنساق الإعلام الكلاسيكي الـمُمَأْسَس، والمحكوم بضوابط العمل الإعلامي وأخلاقياته، فاتحًا بذلك مرحلة جديدة في إنتاج المعنى والتأويل والتفكيك من أجل هدم المركز (Center) والتصدي لأشكال الترسُّب المستبد؛ لأن رومانسية القرن الثامن عشر تدفَّقت في بدايتها كـ”مذهبٍ مُتَعَطِّشٍ للحرية  مُوغِلٍ في الخيال، رافضٍ للعقلانية والمبادئ الكلاسيكية المنسوخة عن النماذج اليونانية اللاتينية القديمة، مذهب تميَّز، من بدايته، بانفجار قوي للفردانية، عبر اللغة بالخصوص. فالرومانسية مثلما يُعَرِّفُها روادها(15)، هي مذهب الانطلاق، وتحرُّر من قيود العقل والمكان لاعتبار الإنسان كائنًا شعوريًّا تسكنه الوحشة والأحزان والقلق والخوف… ولابد لكي يتحرَّر، ويحقق ذاته، من أن يطلق النفس على سجيتها والعنان لأحاسيسه، للتعبير عن وجدانه، وتجاربه الذاتية، وروح مجتمعه، والعصر الذي يعيش فيه، بدل الرضوخ إلى القيود العقلية التي تُعَطِّل رؤية الوجود الحقيقية. والرومانسية من هذا المنظور، يمكن اعتبارها نزعة حادة نحو الأصالة والخصوصية، وإثبات الذات والهوية والقومية، نزعة اتضحت بالخصوص، في الفكر الفلسفي والسياسي والديني لحلقة “إيينا” الألمانية (Iena) التي أسَّسها كل من فيخت وشليغل ونوفاليس، وشيلينغ. ويقوم هذا الفكر على مبدأ أن “الأنا” هو أساس الإبداع لاعتباره قوة خلَّاقة(16).
رومانسية الإعلام الجديد المتجلية بوضوح في تضخم دوائر الميديا الجماهيرية الفردية، تتسم “بسقوط كثير من الأيديولوجيات الجماهيرية، وبانتصار الخاص على العام، وبالنقد الجذري للنزعة الإنسانية”(17)، بيئة يتحرَّك فيها كل شيء كمفرد، ترفض الأنساق المهيمنة، وتعمل على مقاومة الاستبعاد، بكل أصنافه، الذي يُمَارَس عبر المؤسسة الإعلامية. فإذا كانت الرومانسية الأولى، رومانسية القرن الثامن عشر، ثورة ضد العقلانية الفلسفية والانتظام والضبط الكلاسيكيين، فإن رومانسية القرن الحادي والعشرين ثورة ضد العقلانية الإعلامية التي أولدت أنماطًا مختلفة من الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية، وجَذَّرَت واقع الاستبعاد في الواقع الاجتماعي للأفراد الذي حجبته المؤسسة الإعلامية مقابل صناعة مَبْنِيَةٍ “لخدمة” التطور(18).
ولما كانت القاعدة الوظيفية للإعلام الجماهيري الـمُمَأْسَس هي الضبط في بُعده الاجتماعي (Socialization) كما بيَّنها لازويل (lasswell) وميرتون (Merton) ولازرسفيلد (Lazarsfeld) في تحديدهم لوظائف الإعلام الجماهيري، فإن الخاصية الأولى للإعلام الفردي الجماهيري، والمقصود هنا شبكات التواصل الاجتماعي وأصناف المواقع والمدونات الإلكترونية، هي الاستقطاب، استقطاب أكبر عدد من المستخدمين للشبكة العنكبوتية والمتابعين لمضامينها الإخبارية وغير الإخبارية؛ لأن جميع التحركات الذهنية والفكرية للأفراد الاجتماعيين في نطاق الشبكة تتحقَّق في سياق الشعور بالجماعة على نحو يجمع كل نماذج الاتصال اللساني بجميع وظائفه التعبيرية والمعرفية والانتباهية والشعرية. إنه بالفعل هندسة جديدة في الإنتاج والنشر والتبادل والتفاعل الإعلامي والثقافي والعلمي، هندسة “تحكمها” رغبات المستخدمين للإنترنت وحاجاتهم للتواصل والمعرفة والتغيير والتطوير وتحقيق الذات.
والشعور بالجماعة هو السياق السوسيولوجي الذي يتعزَّز، في وجوده، فعل الاستقطاب كظاهرة فردية جماعية ناتجة عن النقاش والتفاعل بين الأفراد الاجتماعيين. وقد بيَّن الدارسون في علم النفس الاجتماعي(19) طبيعة هذه الظاهرة التي تُبْرِز في الغالب نزعة الأفراد للدفاع عن مواقف وآراء جريئة، ونزعتهم كذلك للدعوة إلى إجراءات لا تتوافق مع المألوف من القرارات والاختيارات التنظيمية في المجتمع(20). ويستمد، من هذا المنطلق، فعلُ الاستقطاب معانيه من وجود الجماهير المتنوعة في الأوساط الثقافية المختلفة، المنخرطة فكريًّا في منظومة الإنتاج والنقاش والتبادل الحر للمعنى الذي تُؤَمِّنُه الميديا الفردية-الجماهيرية. فالمستخدمون لشبكات التواصل الاجتماعي يعملون باستمرار على نشر آرائهم وأفكارهم والتعريف بمواقفهم إزاء القضايا الخصوصية وقضايا الشأن العام، ويتفاعلون، في المقابل، مع آراء نظرائهم وأفكارهم ومواقفهم. ويجري كل ذلك على نحو يكون فيه القصد من الفعل التواصلي هو الجذب والشد، بمعنى أن يتحوَّل القائم بالاتصال، وهو الفرد، إلى قطب مهمٍّ في عمليات التواصل المركَّبة، اللاخطية، عبر شبكة الإنترنت. فإذا كانت مقاصد الاتصال الجماهيري في مستوى الإعلام الجماهيري المُمَأْسَس هي الضبط في معانيه المجتمعية والسياسية، فإن الغاية الأولى من الاتصال الفردي-الجماهيري هي الاستقطاب بمعانيه الفيزيائية(21) والاجتماعية. ويمكن ملاحظة سلوكات المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي لتبصر مدى حرصهم على جلب اهتمام أكبر عدد ممكن من المتابعين، والحصول على أعلى نسب الإعجاب (Like) لِمَا ينشرونه ويبثُّونه من مضامين عبر شبكة الإنترنت. فكلما ارتفعت نسب الإعجاب في شأن تدوينة، أو تغريدة، ومثلها في إحدى مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، شكَّل ذلك منطقة استقطاب مهمة قد يترتب عنها كسب نفوذ رمزي، يمنح المُدَوِّن أو المُغَرِّد، قوة ميدياتيكية لها تأثيرها البالغ في توجيه الرأي. وظلت على هذا النحو أهمية الأفكار والآراء والمواقف السارية، في منظومة شبكات التواصل الاجتماعي، تُقاس بحدة الاستقطاب الذي تُحْدِثُه، بصرف النظر عن جودة مضامينها وانضباطها اللساني والأخلاقي.
ولكن، لـمَّا كانت صناعة الحدث، في هذه البيئة السيميائية المتغيرة، صناعة فردية-جماهيرية تستدعي اختلاف الزوايا والمرجعيات في بناء الواقع، مُسْتَنِدَةً في ذلك إلى منظومة سيميائية، أفلا يتعيَّن النظر في هذه الشبكات المركبة لسيميولوجيا التواصل، أو لنقُل، ما الذي يحدث، حين يتم على صعيد كل فرد (مستخدم للإنترنت)، التعبير عن فكر، أو تصوير حدث ما، أو إبداء رأي أو موقف، وبثه أو نشره، بدلالاته التعيينية والضمنية كما يضبطها الباثُّ ذاته وبالمعنى الذي ذهب إليه جون فيسك (John Fiske)(22)، علمًا بأن هذا الباث هو عنصر من منظومة تشمل ستة عناصر أساسية وضعها رومان جاكوبسون (Jakobson Roman) في تحديده للنموذج التواصلي، وهي: المرسل، والرسالة، والمتلقي، والقناة، والسياق، واللغة. فإذا كان لكل مستخدم تَمَثُّل لهيئة الخطاب الذي ينتجه، أو الخطاب الذي يستقبله، وحزمة من الأدوات البلاغية المترجمة لحالة التَّمَثُّل، وسياق موضوعي وآخر ذاتي ونفسي يكيفان طبقات بناء المعنى ودوائر التفاعل ورجع الصدى، وإذا علمنا أن الرسائل والنصوص الفائقة الجارية في فلك الويب، تدخل في علاقات بعضها ببعض وتمارس تأثيرات لا حصر لها على بناء المعنى، إنتاجًا، وتبادلًا، وقراءة؛ لأن القراءة هي دائمًا إعادة إنتاج للمعنى، وإذا أدركنا السرعة الفائقة لعمليات إرسال المضامين وتبادلها في الفضاء السيبراني، إذا أدركنا جميع مكونات كل هذا المشهد التواصلي اللاخطي وتضاريسه المتشعبة، تبَيَّن لنا حجم المتغيرات الهائل في التواصل عبر شبكة الإنترنت بوصفها نظامًا لا خطيًّا، ويبدو من غير الممكن الإلمام بجميع عناصره الصغرى على وجه الخصوص، مما يجعل توقع الأحداث بدقة أمرًا مستحيلًا.
هنا بالتحديد تتضح حقيقة الفوضى في عجز الإنسان، أولًا عن الإلمام بجميع العناصر والأحداث المؤدية لحدوث الحدث الكبير في نظام دينامي متغير، واستحالة معالجة بنياتها ودلالاتها وسياقاتها في تشابكها بعضها ببعض من ناحية ثانية. من كان يتوقَّع أن يؤدي “إحراق البوعزيزي” لنفسه إلى الإطاحة بالرئيس ابن علي، في مرحلة أولى، وإلى اندلاع الثورة في مصر والإطاحة بالرئيس، حسني مبارك، في مرحلة لاحقة. وقد تسارعت الأحداث إبَّان تلك الفترة مبدية نوعًا من السلوك العشوائي، المعروف باسم “الشواش” أو “العماء” في الجمل الديناميكية؛ ذلك لأن العقل البشري غير قادر، كما أشرنا، على التحديد الدقيق للشروط البدئية والإلمام بجميع العناصر الصغرى والاختلافات الضئيلة التي يترتب على وجودها وتشابكها حدث كبير، في نظام دينامي، مثل نظام التواصل عبر الإنترنت.
ولكن ما الذي يجعل، وسط هذا النظام التواصلي المتسم بالفوضى، من حادثة عارضة، حدثًا اجتماعيًّا بارزًا، مُحْدِثًا للاستقطاب؟ كيف تكبر الأحداث الصغرى، وتسري في النظام التواصلي لتتحول إلى قضية رأي عام تشغل اهتمام الفاعلين في المجال العمومي الميدياتيكي؟ هل باتت الميديا الاجتماعية قطبًا فاعلًا في ترتيب أجندة وسائل الإعلام التقليدية؟
3. الشبكة الفاعلة والرأي العام
يعتقد الكثير من الدارسين والباحثين(23) أن الثورات التي قامت في سياق ما أصبح يُعْرَف بالربيع العربي ما كانت لِتَحْدُث لولا الدور الذي أدَّته شبكات التواصل الاجتماعي، على غرار تويتر وفيسبوك، في تعبئة الرأي العام، وحشده لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويستند هذا الاعتقاد إلى الأثر الدلالي الذي يُخَلِّفُه الاستخدام العمومي للميديا الاجتماعية، وكذلك إلى حالة الانبهار بالإنجازات العلمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهي الحالة ذاتها، المشار إليها سابقًا، التي عاشها العالم مع ظهور الإذاعة والتليفزيون خلال فترة سادت فيها مفاهيم في علم النفس، كانت تَعُدُّ الناس مجموعات بشرية متجانسة يمكن التأثير فيهم باستخدام مؤثِّر واحد.
إن حالة “الربيع العربي”، وهي الحالة التي وضعت شبكات التواصل الاجتماعي في بُؤْرَة الاهتمامات الفكرية والعلمية أكثر من ذي قبل، هي، في المقام الأول، حالة تغير عميقة في الوعي الاجتماعي بأهمية القيم المنتجة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وقد تشكَّلت بالتقاء عوامل متعددة كما هو الأمر بالنسبة لكل حالة تغير اجتماعي. ويُصَنِّف بعض علماء الاجتماع(24) هذه العوامل إلى عوامل عقلانية قيمية، كالتي يعتبرها ماكس فيبر(25) مُحَدِّدَة للتحول الاجتماعي والحضاري، وأخرى متصلة بالكثافة الديمغرافية. ويتحدث إيميل دوركايم (Durkheim Émile) في هذا المضمار عن النمو الديمغرافي كرافد أساسي من روافد الاندماج  والتحول الاجتماعي والأخلاقي(26). ومن الفلاسفة والمؤرخين، مثل لويس مومفورد (Lewis Mumford) (27)، من يَعُدُّ التطور التقني عاملًا حاسمًا في التغيرات الاجتماعية والحضارية. ويذهب كارل ماركس (Karl Marx) إلى اعتبار الصراع الطبقي الأصل في حركة التغير الاجتماعي والتطور التاريخي، بل إنه يختزل تاريخ الإنسانية في الصراع بين الطبقات.
وعلى أن موضوع التغير الاجتماعي قديم جديد، متشعب المشارب من حيث إمكانية مقاربته سوسيولوجيًّا وأنثروبولوجيًّا وفلسفيًّا، فإننا سنهتم بحقيقته في موضوع الحال، كمسلَّمة تاريخية، وكظاهرة عمومية واسعة الانتشار تتشكَّل في التقاء عوامل عديدة، مختلفة، غير متجانسة، مادية، ورمزية، وإنسانية، هي بمثابة الشبكة المولِّدة للمد التغيري والتطوري في آن واحد. وقد سبق لابن خلدون أن ألمح إلى فكرة الشبكة الفاعلة في تفسيره لطبيعة تطور المجتمع القبلي، وكذلك في سياق حديثه عن مغالط المؤرخين وإهمالهم لقواعد التمحيص في الخبر الروائي(28)، وإِنْ كان السياق يخدم فلسفة التاريخ أكثر مما يخدم سوسيولوجيا التغير الاجتماعي. فعندما يقول ابن خلدون: إن صاحب هذا الفن (فن التاريخ)، يحتاج إلى “العِلم بقواعد السياسة، وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع، والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منها والمخُتَلِف والقيام على أصول الدول والمِلل ومبادئ ظهورها، وأسباب حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم، حتى يكون مستوعبًا لأسباب كل حادث”(29)، فإن المراد من القول يُشير بقوة إلى أن المنطق الشبكي المعقد هو الذي ينبغي اعتماده، عند النظر والتحقيق في الظواهر الاجتماعية، مَنْهَجًا في التفكير.
وابن خلدون، إذ يحذِّر من مجرد النقل في عملية الإخبار، ومن الحيد عن جادة الصدق، فإنه يُنَبِّه إلى ضرورة الإحاطة بحزمة العناصر المتشابكة، الكامنة وراء ظهور الوقائع والأحداث الاجتماعية، وعمليات التغير والتطور في المجتمع، وتَبَصُّر كيفية تمفصلها. كل ذلك يقود إلى فهم أفضل لطبيعة الأحداث، وكيفية تَبَدُّل أحوال المجتمع. ويُقدِّم ابن خلدون مصفوفة غنية بالمفردات المادية والرمزية يحصي في حدودها الأصول، والعادات، والأخلاق، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والنواحي الإنسانية، والنفسية، والميديولوجية، والبعد المكاني والزماني، كلها عناصر لنسق شبكي، دينامي متغير، معقد، يلخصها برينو لاتور، وميشال كالون ومادلين أكريش في العوامل النظامية والمعيارية، المادية والإنسانية المؤثرة في الفعل الاجتماعي(30).
ومن المفيد في مضمارنا التذكير بأن بعض النظريات الاجتماعية الحديثة التي لاقت نجاحًا كبيرًا وصدى واسعًا في مجال الإعلام والاتصال، ومجال العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل عام، مثل نظرية الشبكة الفاعلة (Actor Network Theory)، المهيأة لدراسة العلوم والتكنولوجيا وكيفية نشوئهما وانتشارهما في المجتمع(31)، إنما تستمد أصولها من الفكر الخلدوني، وهو الفكر الـمُؤَسِّس، في منظورنا، للجوهر الأساسي لنظرية “الشبكة الفاعلة”. ويتضح ذلك كلما فهمنا مصفوفة المصطلحات التي شِيدَت بها “المقدمة”، والمُتَضَمِّنَة للتاريخ، والعمران، والعصبية، والملك، والدولة، والبنية الاجتماعية، والأخلاق، والصنائع والعلوم(32)، وهي العناصر الأساسية المكونة للشبكة الفاعلة في ظهور الحدث الاجتماعي والتي من خلالها يتسنى تفسير حالات التغير الفكري والحضاري.
وحين ننظر اليوم في الأحداث الجارية في العالم، الكبرى منها والصغرى، وفي حالات التغير الاجتماعي التي اتسعت دوائرها بفعل التداول الواسع والسريع للمعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فإن ما يَبْرُز في المشهد الأول هو العنصر التكنولوجي، بمعنى الدور الذي تؤديه الميديا في بث الحدث وتحقيق التفاعل بين نسب عالية من المستخدمين للميديا الفردية-الجماهيرية، في حين تختفي بقية العناصر الإنسانية والاجتماعية المكوِّنة للشبكة الفاعلة في نشوء الحدث. وهذا يعني أن نظرتنا للأحداث ضيقة، وتستثني البنية الاجتماعية، والعمران والعصبية، والملك، والدولة، والأخلاق وهي الأركان الإنسانية والمادية، والرمزية للشبكة التي يَتَشَكَّل في حدودها الحدث، والمكيفة لحالات التغير الفكري والحضاري. فعندما نستحضر محاولة الانقلاب الفاشلة، التي عرفتها تركيا، في 15 يوليو/تموز 2016، ينحصر النظر للحادثة في الدور المركزي لتكنولوجيا الإعلام التي منحت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة التواصل مع شعبه لتحقيق التعبئة العامة قصد مواجهة الانقلابيين والدفاع عن الديمقراطية واستمرارية الدولة، ويغيب عن النظر، في الآن ذاته، الجانب الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والعمراني الذي يُمَثِّل مفاصل الشبكة المركزية، كبنية مُرَكَّبة، متناسقة اندمجت في حدودها عناصر الحدث. لقد استخدم أردوغان، بالفعل، تطبيق فايس تايم (FaceTime) في الوقت الذي سيطر فيه الانقلابيون على القناة الرسمية التركية “تي آر تي”، ليطلب من الأتراك النزول إلى الشارع لحماية الديمقراطية ومحاسبة الجناة.
وقد استجاب الأتراك للنداء، وفشل الانقلاب. ويبدو من الوهلة الأولى، أن احتواء الأزمة مرده إلى الاستخدام الناجع للميديا الاجتماعية. ولهذا الملمح نقيض منطقي، وهو: أنه لولا الميديا الاجتماعية، التي مَثَّلَت الملاذ الميدياتيكي الفعَّال لأردوغان، لنجح الانقلاب. وبقدر ما يتوفر لهذا الملمح من قوة في التسليم بحقيقة التأثير البالغ لشبكات التواصل الاجتماعي في الرأي العام، فإن إهمال بقية العناصر الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية يقود إلى خطأ عميق في الفهم. إننا نتكلَّم عن النضج الفكري والسياسي للذين استجابوا للنداء، وتصدوا للانقلابيين.
ونتحدث كذلك عن الأخلاق السياسية للمعارضة التركية، لاسيما المعارضة العلمانية المعروفة بعدائها الكبير لحزب العدالة والتنمية؛ فقد اصطفت المعارضة التركية حول مبدأ الحفاظ على المسار الديمقراطي، وراهنت على ذلك في أكثر من مناسبة بدافع مصالح سياسية. ونتحدث أيضًا عن حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي يجرُّ تاريخًا ثريًّا يختزل العقل التركي الحديث ويستقطب إلى دوائره العديد من الفئات السياسية المختلفة، وهو الحزب الذي، في نظر الملاحظين، حظي بثقة الشعب التركي وحقق نهضة اقتصادية بارزة(33). ونتحدث أخيرًا عن تحجيم الدور السياسي للمؤسسة العسكرية منذ ما يزيد عن عقد ونصف من الزمن بدوافع محلية، وأخرى إقليمية، أهمها تلبية مستلزمات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي الذي يتطلب تحييد الجيش عن الحياة السياسية.
إن هذا هو الإطار السوسيولوجي التفسيري لنظرية الشبكة الفاعلة، وهي النظرية التي، في تقديرنا، أسقطت أسطورة شبكات التواصل الاجتماعي كميديا فردية-جماهيرية مُوَجَّهَة بشكل حاسم للرأي العام. وإن ما يدعو إلى إنكار هذه الأسطورة، هو الكشف عن مسار التتبع للحادثة، المشار إليه سابقًا، الذي يفيدنا بأن الانقلابيين قد استخدموا بدورهم شبكات التواصل الاجتماعي في سعيهم للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، وسيطروا، لوقت قصير، على القناة التركية الرسمية “تي آر تي”، وهي إحدى أهم القنوات الإخبارية الدولية في تركيا، وعَبْرها تم بث بيان تحدث عن تولي الجيش السلطة. وعلى الرغم من التدبير اللوجستي القوي، والتدبير الميدياتيكي المتعدد، سقط مشروع الانقلاب، مما يؤكد بوضوح محدودية شبكات التواصل الاجتماعي، والميديا الجماهيرية بشكل عام، في الحسم المطلق عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والسياسية الكبرى، وقضايا الرأي العام. وبتعبير آخر، نقول: إن للأحداث نسيجًا سوسيوثقافيًّا مُعَقَّدًا تدفع به وسائل الإعلام للظهور. وأسلوب الظهور الذي يكون جزءًا لا يتجزأ من هذا النسيج المركَّب، هو الذي يمنح الانطباع لعامة الناس بأن ما يحدث في المجتمع من تأثير في الرأي، وتَبَدُّل في الأحوال، مَرَدُّه للميديا؛ لأن وسائل الإعلام، ببلاغتها التقنية والفنية، وبسرعتها الفائقة، حين تدفع بالأحداث للظهور، تحجب في الآن ذاته عناصر الشبكة الـمُشَكِّلَة لعوامل التأثير.  
يتضح مما سبق أن شبكات التواصل الاجتماعي، حتى وإن لاحت، بفائق سرعة بثها للمعلومات وتبادلها، الحلقة الأهم في نجاح أردوغان في السيطرة على الوضع، فإنها ليست السبب في إفشال حادثة الانقلاب. إنها حلقة ضمن سلسلة أخرى من الحلقات الفاعلة في نشوء الحدث، موضوع الحال. ولأنها الحلقة التي تتوفر في حدودها، تقنيًّا واجتماعيًّا أركان عمومية الحدث، فإنها تبدو بمثابة العِلَّة العليا لما حدث. لذلك نجد العديد من الإعلاميين والاتصاليين وحتى بعض المحللين السياسيين، يُسلِّمون بقوة تأثير “فايس تايم” في الجماهير التركية ويعتبرونه المحرك الأساسي لتفاعلاتهم ورفضهم للانقلاب(34).
4. شبكات التواصل الاجتماعي: من السرعة الخطية إلى السرعة القصوى 
إن الدور الذي تؤديه الميديا الاجتماعية، والميديا الجماهيرية بشكل عام في حسم الصراعات الكبرى، والاضطرابات، وتعبئة الرأي العام، لا يصح التقليل من أهميته من حيث أبعاده الميدياتيكية والسوسيولوجية. كما لا يصح المغالاة في شأنه، إذا أدركنا أن قدرة وسائل الإعلام على الحشد والتعبئة وتوجيه الرأي والحسم في القضايا المصيرية، فضلًا عن كونها من طبيعة بلاغية-ميدياتيكية، فإنها في المقام الأول نابعة من واقع مركَّب تتحرك في ساحته العوامل المُهَيِّئة لنجاح التعبئة وتحقيق الحشد، والحسم، وصناعة الرأي. لماذا، عندما يتم استحضار أحداث مايو/أيار 1968 بفرنسا، يختفي الدور الميدياتيكي للمناشير السرية المطبوعة بالآلة الراقنة والتي كانت بمثابة الرسائل الإلكترونية المتبادلة اليوم على شبكة الإنترنت، على أن الآلة الكاتبة (أو الراقنة) كانت تزعج السلطة السياسية آنذاك بالقدر الذي تزعج به شبكات التواصل الاجتماعي العديد من الأنظمة الحاكمة اليوم في العالم؟ ولكن، من جانب آخر، لماذا، كلما جرى الحديث عن “الربيع العربي”، أو عن أحداث أخرى كبرى مثل حادثة الانقلاب في تركيا، استأثرت الميديا الاجتماعية باهتمام الدارسين والمهتمين بقضايا الشأن العام مقابل اختفاء العوامل المادية والرمزية، السوسيوثقافية الكامنة وراء نجاح شبكات التواصل الاجتماعي في أداء وظائفها التواصلية؟
نُفَسِّر تَبَاين الحالتين بالسرعة التي تعمل بها الوسائط الإعلامية، المؤثِّرة في تحول الأفكار إلى قوة فاعلة في المجتمع؛ ففي الحالة الأولى، نجد أن سرعة انتقال المعلومات عبر المناشير المطبوعة بطيئة، عبَّرنا عنها في غير هذا السياق بـ”سرعة الطواف البطيئة”(35). ولأنها بطيئة، فإن التركيز يظل منحصرًا في مستويات الوعي الاجتماعي، الطلابي على وجه الخصوص، الذي انخرط في مقاومة سياسة التهميش التي كانت تنتهجها الحكومة الفرنسية خلال تلك الحقبة، والسياسات الاستعمارية والإمبريالية في العالم والتنديد بحرب فيتنام. فالمشهد البارز في أحداث مايو/أيار 1968، ليس الذي تحتله الميديا الجماهيرية، إنما الذي صنعه المثقفون والجامعيون والإعلاميون حين نزلوا إلى الشارع، وساندوا بقوة التحركات الطلابية وعزَّزوا مدَّها الفكري، السياسي والاجتماعي. وفِعْلُ المساندة لم يَدْعُ إليه الإعلام الجماهيري السمعي المرئي أو المكتوب، إنما تحقق في التقاء عوامل أخرى فكرية-ثقافية، وميديولوجية كذلك؛ لأن المناشير المطبوعة كان لها دور في يقظة الإدراك بأهمية المطالب الطلابية والشعبية في ما بعد.
أما في الحالة الثانية، نجد أن السرعة التي تنتقل بها المعلومات فائقة، وصنَّفناها، في غير هذا السياق، بـ”السرعة القصوى”(36)، تُتيح التفاعل الآني مع الأحداث الجارية في وقت معين، والانتشار الواسع للمعلومات والرسائل في كل الاتجاهات وكل الفضاءات الثقافية. ويتضح من المثالين كيف أن للحدث الواحد شبكة من العناصر المركَّبة غير المتجانسة، هي الأصل في تَشَكُّلِه وبُرُوزِه وسريانه في المحيط الاجتماعي. ويشير هذا المعنى إلى حقيقة الشبكة الفاعلة كنظام بيئي للفعل الاجتماعي الذي لا تنفرد الميديا بصناعته كما يبدو للمغالين في دور وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. إلا أنه في حالات العصر الحديث، تبدو الميديا الجماهيرية وكأنها، بذاتها، هي الشبكة برمتها التي تمنح الحدث أسباب النشوء والظهور. وتَعَزَّز هذا الملمح بالخصوص مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي لاحت بمثابة المصانع الجديدة للرأي العام، باعتبارها وسائل جماهيرية-فردية أتاحت دخول فاعلين جدد قادرين على التأثير في الرأي العام، ولأنها، في المقام الأول، نظام تواصلي له من الطواعية الميدياتيكية ما يحقق الإثبات والإبطال في آن واحد. ونفهم عند هذا المستوى كيف أن عامل السرعة، سرعة انتقال المعلومات وسرعة سريانها في المجتمع يُغَيِّران تمامًا من قراءاتنا للواقع، وتقديرنا للأحداث.
لم تهتم أدبيات الإعلام والاتصال العربية، وحتى الغربية منها، بقضية السرعة، سرعة انتقال المعلومات، كمبحث رياضي في علاقة بالقيم الإخبارية وقياس مستويات التأثير. لقد اقتصرت الدراسات التي قاربت جانبًا من هذا الموضوع، على ما ورد في نظرية شانون الرياضية(37) من مبادئ تطبيقية ساعدت بعمق في تحسين أساليب بث المعلومات وتبادلها. ونذكر كذلك أعمال الفيزيائي ليون بريوين (Leon Brillouin)(38) الذي بحث في العلاقة بين العلم ونظرية الإعلام، وعمل على تحقيق الوصل المنهجي والإجرائي بين أنثروبيا المعلومات (Informational Entropy) عند شانون (Shannon) والأنثروبيا الإحصائية (Statistical entropy) عند بولتزمان (Boltzmann)(39). ويتحدث روبير إسكاربيت (Escarpit Robert) عن أنثروبيا المعلومات (The Entropy of information) وردَّة الفعل، كثنائية مُفَسِّرَة لوتيرة انتقال المعلومات وتأثيرها على المتلقي(40). ورغم أن روبير إسكاربيت كان يؤمن بالتناهج بين العلوم(41)، فإنه سارع إلى التحذير من التوسع المُفرِط لتوظيف المفاهيم المنتسبة لتخصصات علمية دقيقة خارج سياقاتها.
فموضوع السرعة، كبُعد فيزيائي في علاقته بالرسائل الإعلامية، لم يشغل الباحثين في الإعلام رغم أهميته في إدراك مستويات التأثير. لقد عملنا على شرح هذا البعد ضمن دراسة حول الإعلام السياسي التليفزيوني في تونس(42)، لفهم كيف يحدث التأثير عندما تتغير سرعة بث المعلومات ونقلها. وقد لاحظنا أن عناصر التأثير في الرسالة الإعلامية مرتبطة في نجاعتها بالسرعة التي تتحول بها المضامين من المرسِل إلى المتلقي. فكلما ارتفعت سرعة النقل، كانت درجات التأثير مهمة، لِسَبَبٍ، وهو أن السرعة الفائقة تستوعب نقل الأحداث أثناء وقوعها مما يثير الاستقطاب في عملية الاتصال برمتها. وكلما كانت هذه السرعة متوسطة أو بطيئة، مثلما هي الحال مع الصحافة الورقية، كانت درجات التأثير متفاوتة، ومضطربة، لتداخل عوامل كثيرة معقدة، نذكر منها وتيرة التوزيع، وفضاء التوزيع، وعامل المتابعة، وعامل التعلم، وعامل القراءة…بما يفضي إلى تَشَكُّل مرحلي للاستقطاب. والحاصل هو أن الاستقطاب الإعلامي كقيمة ميدياتيكية ثمينة، يعمل الإعلاميون والاتصاليون على إحداثها، إنما يتحقق في المقام الأول بفعل السرعة، سرعة انتقال المضامين. وما إِنْ يتحقق الاستقطاب حتى يتوجب أن يثير ردود الفعل.
ولكن ما الذي يجعل شبكات التواصل الاجتماعي أكثر استقطابًا للرأي العام من الإعلام السمعي المرئي التقليدي، على الرغم من تناسب سرعة تردد المضامين بين المجالين؟ الفرق هو أن الميديا السمعية المرئية، التقليدية، تعمل بالسرعة الفائقة، الخطية (Linear) التي لا تسمح بردود الفعل الفورية(43)، بينما تعمل شبكات التواصل الاجتماعي بالسرعة الفائقة اللاخطية (Nonlinear)، بما يتيح سلسلة لا متناهية من التفاعلات الفورية بين المستخدمين للشبكة. بتعبير آخر، نَصِفُ السرعة الأولى بـ”السرعة الضابطة” باعتبارها مركزية، محكومة بإرادة مُؤَسَّسِيَّة تسعى باستمرار لتحقيق الضبط الاجتماعي (Socialization) على نحو ما هو بيِّن في مصفوفة وظائف وسائل الإعلام التي وضعها بعض علماء الاجتماع، مثل: رايت ميلز (Wright Mills)، وهارولد لازويل (Harold Lasswell)، وجون ستوتزال (Jean Stoetzel)، وولبر شرام (Wilbur Schramm)(44). أما السرعة الثانية، فهي، من منظورنا، سرعة استقطاب لا مركزية، يمتطيها الجميع في عمليات إنتاج المعنى وبثه وتبادله. إنها تُمَثِّل إحدى الشروط الأساسية لوجود ما يُسمَّى في الأوساط العلمية بالعقل الجماعي الاصطناعي (Collective Artificial Intelligence)(45). فهذه السرعة الفائقة، السارية في كل الاتجاهات والمحدِثة لنسب استقطاب عالية جدًّا(46)، استقطاب مُوَلِّد للتفاعل الفوري، المستمر، هي التي جعلت من فلك المواقع الاجتماعية “ورشات جديدة لصناعة الرأي”. ونستمد من هذا التحليل معادلة نضعها في هيئة رياضية لفهم قوة التأثير في النظام التواصلي الشبكي، والتنبه لخطورته كمجال عمومي ميدياتيكي تتحوَّل بمقتضاه الأفكار إلى قوة فاعلة في المجتمع. تقوم هذه المعادلة على وجود عناصر أساسية، ثابتة ومُتَغَيِّرَة، مُحَرِّكَة للتأثير ومُغَذِّيَة لنسقه، وهي:

  1. [قوة التأثير] ناتج معادلة التأثير، ونُعبِّر عنه بـ(F).
  2. [الاستقطاب] عنصر متغير، نعبِّر عنه بـ(X).
  3. [التفاعل] عنصر متغير-تابع للاستقطاب، ونعبِّر عنه بـ(Y).
  4. [السرعة] عنصر ثابت، ونعبِّر عنه بـ(V).

فإذا علمنا أن الأفكار تتحوَّل إلى قوة فاعلة في المحيط الاجتماعي بفعل وتيرة الاستقطاب، وإذا علمنا أن الاستقطاب مُوَلِّد للتفاعل في حضور سرعة تحوُّل قصوى لا خطية، تظل معادلة التأثير في النظام التواصلي الشبكي على النحو الآتي:

إنها المعادلة الكاشفة عن وجود حقل مغناطيسي متزايد الأقطاب في شبكات التواصل الاجتماعي، حقل يعملُ بقوةِ إثارةٍ عالية لتوليد الاستقطاب؛ لأن كل قطب فيه، ونعني بذلك المستخدمين للشبكة، هو بمثابة الجسم المشحون، المتحرك المنتج للشد. لقد بات هذ النظام التكنو-اجتماعي ( techno-social system)، بخصائصه المغناطيسية، الحلقة الأبرز في المجال العمومي الميدياتيكي الجديد، لاحتوائه المعادلة التي تساعد على إنتاج السلطة.
من هذا المنطلق، ينبغي في تقديرنا النظر في المشكل الإعلامي والاتصالي من خارج حقل الإعلام، والمقصود حينئذٍ هو الاستناد إلى مجالات علمية أخرى تساعد على فهم أفضل للمُشكل موضوع الدراسة. ونجد أن العديد من المفاهيم والمصطلحات العلمية المتداولة في أدبيات الإعلام والاتصال انحدرت من مجالات الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية، وقد تم توظيفها بعد إفراغها من خصائصها الفيزيائية والرياضية(47). ولقد فتحت هذه المفاهيم زوايا نظر جديدة للمشكل الإعلامي، وأسهمت في إثراء نظريات الإعلام والاتصال. فجدلية الإثبات والإبطال التي نحن بصدد تفكيك بنيتها، تدعونا إلى قراءة بينية، تناهجية (Interdisciplinary) للإعلام الجديد، قراءة تجِدُ مادتها العلمية في مجال الفيزياء والرياضيات؛ ذلك لأن الإعلام الجديد ليس مجرد حقل معرفي نَدْرُسه من خلال مفرداته التقنية وخصائصه اللسانية، ووجهه الاجتماعي. إنه نظام دينامي خاضع لقوانين الأنظمة الدينامية المركَّبة. وقد جرَّنا ذلك لبيان حقيقة الفوضى السارية في حدوده، بالمعنى الفيزيائي للمفهوم(48). جدلية الإثبات والإبطال، تتضح أركانها، حينئذ، عندما ندرك السرعة التي تتحقق بها، ونحيط بتردداتها الكاشفة لحجم الاستقطاب والتفاعل في الزمن؛ لأن ما يهب شبكات التواصل الاجتماعي قوةً ميدياتيكية مؤثِّرة في بناء الرأي، ليس امتلاكها لأدوات الإثبات والإبطال، بل لكونها نظامًا يتحرك بسرعة قصوى لا خطية، مثيرة لحالة من الاستقطاب المطَّرد، ومحدِثة لدوامة من التفاعلات اللامتناهية، تجد تفسيرها في المعادلة الرياضية السابقة.
5. جدلية الإثبات والإبطال في النظام التواصلي الجديد 
إن دخول فاعلين جُدد إلى ساحة المجال العمومي الميدياتيكي غيَّر كثيرًا من هندسة هذا المجال وحَوَّلَ آليات الفعل الميدياتيكي إلى قدرة عامة يُمْسِك بدفتها الأفراد الاجتماعيون العاديون. والمهم في هذا التحوُّل الذي أصاب فلك الميديا الجماهيرية التقليدية، هو أن سرعة الإثبات والإبطال المشار إليها أصبحت بيد الجميع مما يجعل النظام التواصلي الجديد مُهَيَّأً للفوضى بالمعنى الرياضي للكلمة(49).
والإثبات والإبطال في مضمارنا لعبة ميدياتيكية تقتضيها سياقات فكرية، سياسية-ثقافية لترويض الرأي العام والتحكم في اتجاهاته. المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، طرح إبَّان أحداث سان بارناردينو بكاليفورنيا، فكرة منع دخول المسلمين إلى بلاده. التصريح نُشِر على موقعه الإلكتروني مدة طويلة، ثم اختفى قبل فوزه بالرئاسة بوقت قصير، ثم عاد ليظهر من جديد على موقع حملته الانتخابية. إن ظهور الفكرة على موقع ترامب الإلكتروني هو ضرب من ضروب الحشد الرَّامي إلى تعزيز شعبيته كرجل دولة قوي، وإن إخفاءها هو أيضًا نوع من الحشد الرَّامي إلى احتواء الضوضاء التي أصابت حملته الانتخابية، والرَّامي كذلك إلى كسب موالين جدد. فالإظهار والإخفاء، بالدقة الزمنية المرجوة، وبسرعة البث اللحظية، وإن لاحا متضادين من حيث كونهما إجراءً ميدياتيكيًّا، فإنهما متجانسان من حيث القصد الاتصالي، تجانسٌ له ترجمة سياسية في ثنائية الإثبات والإبطال.
تستمد الميديا الجماهيرية قوتها كمجال وسائطي فائق التأثير، من قدرتها على الإثبات والإبطال في الزمن والسياق المناسبين. كان يجري الحديث، في بداية القرن العشرين عن قوة الكلمة؛ لأن ظهور الإذاعة السمعية وتطورها آنذاك قد غيَّرا من أساليب التأثير في الرأي العام إلى حدِّ اعتبار الإذاعة الفاعل الرئيس في كل التغيرات الاجتماعية(50). ومن قوة الكلمة إلى قوة الصورة عندما عزَّز ظهور التليفزيون من نفوذ الصورة، السينمائية والفوتوغرافية، وتدفَّقت، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، الأدبيات المغالية لدور الصورة في بناء الرأي العام، مُبَشِّرَة بأدوات بلاغية جديدة في مجال الكتابة بالصورة(51). ولكن الدارس لبلاغة الميديا الجماهيرية السمعية المرئية، يجد أن قوة التأثير، الحقيقية، التي تتمتع بها، ليست في نحويتها وبلاغتها كوسائط إعلامية، إنما في احتوائها جدلية الإثبات والإبطال، والإظهار والإخفاء. وتاريخ وسائل الإعلام حافل بممارسة هذه الثنائيات التي لاحت بمثابة الشروط البدئية لتحقيق الضبط الاجتماعي والانتصار الميداني. فغزو العراق بدأ، إعلاميًّا بقوة الإثبات، إثبات امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل(52)، وإثبات دعم نظامه لتنظيم القاعدة. وبمرور الوقت، اتضحت هشاشة هذه المبررات؛ إذ لم يتم العثور على أدلة مادية تدين العراق، فكان أن برزت للرأي العام الدولي قوة إثبات جديدة تمثَّلت في ضرورة جلب الديمقراطية لبلد يعيش الظلم والاستبداد.
لذا نقول: إن الإثبات إذا ما وقع إبطاله بأي نحو كان، حلَّ محلَّه إثبات جديد هو بمثابة الإظهار لوجه خفي من أوجه الواقع المركَّب. وبتعبير آخر، فإن حالة الإثبات هي بذاتها حالة إبطال، والعكس صحيح. الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، أبطل عبر التليفزيون قرار الزيادة في أسعار الخبز والعجين حالما لاح له أن القرار سيطيح بنظامه(53). قرار الزيادة تم إثباته تليفزيونيًّا ببلاغة ميدياتيكية توضح مظاهر “التبذير” للخبز بكميات كبيرة، مثيرة للجدل. وقرار الإبطال، إبطال الزيادة في أسعار الخبز والعجين، تم إثباته أيضًا عبر التليفزيون في كلمة قصيرة توجَّه بها “المجاهد الأكبر”(54) للشعب التونسي. فالإثبات التليفزيوني الذي كان سببًا في اندلاع انتفاضة شعبية، قوية، ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، انقلب لإبطالٍ حوَّل الفوضى إلى حالة من النظام والاستقرار(55).
نحن إذن أمام جدلية ميدياتيكية خطيرة تعمل ببراديغم الإثبات والإبطال. والخطير في حقيقتها هو أن فعلَ الإثبات والإبطال فعلٌ شاذب للرأي العام وله من الطواعية ما يُغَيِّر من قوانين صناعة الواقع التي ازدهرت بالخصوص مع تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال؛ لأن الواقع يتغير بالإثبات، ويتغير كذلك بالإبطال. وهذه حقيقة مؤكدة في مجال العلوم، يقول في شرحها المفكِّر عبد الكريم سروش: “الإثبات والإبطال هو عمل الحكماء والعلماء التجريبيين المستمر. وطلاب العلم والحكمة كثيرًا ما يَأْنَسُون بإثبات المعرفة وإبطالها…لقد أفتَت نظرية أينشتاين ببطلان نظرية نيوتن وأحلَّت محلَّها نظامًا جديدًا”(56). فكل شيء يمكن أن يتغير بالإثبات، وكل شيء يمكن أن يتغير بالإبطال، والواقع المعرفي والاجتماعي إنما هو تَشَكُّل مُعَقَّد بالإثبات والإبطال في الآن ذاته.
يُمَثِّل حينئذ التشكيل الثنائي للإثبات والإبطال، الإطار المسيطر في بناء الواقع وصيانته بما تقتضيه الحال السياسية والاجتماعية عند تحديد القصد الاتصالي للقائم بالاتصال؛ فمن يمتلك أدوات التحكُّم في تحقيق الإثبات والإبطال؛ لأنه لابد من وجود نظام فني وتقني يدفع بالظهور للإثبات أو للإبطال، يكون فاعلًا قويًّا في بناء الواقع. ونعود من جديد إلى رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الذي استخدم بعض مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة من وسائل التصدي الميدياتيكي لانقلاب 15 يوليو/تموز 2016، لنشير إلى أنه هو الذي قرَّر في أكثر من مناسبة(57) حجبها لإبطال حملات “التشويه” التي تطول شخصه وحزبه، واحتواء التشويش الذي يصيب مساره السياسي، علمًا بأن حجبه لتويتر، ثم ليوتيوب، (28 مارس/آذار 2014)، كان قبل يومين من موعد الانتخابات المحلية التركية المقررة في 300 مارس/آذار من العام ذاته. ومن المهم في مضمارنا ذِكْرُ زمن الحجب الذي يُفَسِّر أهمية فعل الإبطال في تغيير قوانين لعبة صناعة الواقع، ومنه نفهم أيضًا كيف أن حجب مواقع التواصل الاجتماعي أو بسطها إنما يكشف عن إرادة لتطويع الأحداث كي تتحوَّل بنية الواقع لتشكيل جديد. فالقول: إن الإعلام سلطة رابعة، وهو قول قديم(58) يعني في المقام الأول الوسط العمومي الذي تُمارَس فيه لعبة إعادة بناء الواقع بالإثبات والإبطال، كشكل من أشكال فضح الانحرافات في المجتمع، السياسية والاقتصادية والثقافية، وكضرب من ضروب التعديل للنظام الاجتماعي.
لم يعمل الإعلام العمومي كسلطة رابعة في الأنظمة الشمولية، العربية بالخصوص(59)؛ ذلك لأن مقبض الإثبات والإبطال تُمْسِكُه الدولة وتُحَرِّكُه بالاتجاه المناسب لاستمراريتها. الرئيس المخلوع ابن علي، حكم تونس لربع قرن بقوة الإثبات والإبطال التي كان يمارسها بأريحية فائقة في نظام اجتماعي هَيْمَن عليه براديغم الخوف. الإثبات الأول، وهو الذي احتلَّ به قصر قرطاج، تجسَّد في التقرير الطبي الموقَّع من سبعة أطباء كانوا أقرُّوا آنذاك(60) بعجز الرئيس الراحل بورقيبة، عجزه التام عن إدارة شؤون البلاد. الإثبات الثاني تَمَثَّل في بيانه(61) القاضي بإرساء دولة الديمقراطية على “أساس سيادة الشعب”، والحال أن تونس عاشت في عهد ابن علي أوسع حملات الاعتقال والتعذيب وأعنفها عبر تاريخها(62)، حملات شملت بالخصوص المعارضين للنظام من يساريين وإسلاميين. الإثبات الثالث استمر يُردِّد على امتداد أكثر من عقدين “معجزة الازدهار الاقتصادي” لتونس، في الوقت الذي انتشر فيه الفقر، وتغلغل فيه الفساد الإداري والمالي بكامل مفاصل الدولة، وتراجعت فيه الطاقة الشرائية للطبقة الوسطى(63)، وشُرِع خلاله في الاستيلاء على البلاد(64).
إن قوة الإثبات التي نجح نظام ابن علي في فرضها عبر الأجهزة الأيديولوجية والميدياتيكية للدولة، جعلت صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، يشيدان بدور تونس في التنمية ويعتبرانه نموذجًا يمكن للدول النامية الاقتداء به(65). وقوة الإثبات التي كان للغة الدبلوماسية دور في تعزيزها، ظلت معجونة بقوة إبطال للفكر الناقد، الفاضح لمنظومة الظلم والاستبداد. كل ذلك كان يجري في المجال العمومي الميدياتيكي ببلاغة فائقة، رَسَمت هندسَتها قافلة من الخبراء، والإعلاميين، والباحثين الجامعيين، صنعهم نظام ابن علي لنفسه.
ولما تحوَّلت جدلية الإثبات والإبطال إلى قدرة عامة، يمارسها الأفراد الاجتماعيون كشكل من أشكال التعبير الحر عن الرأي، والانخراط الفعلي في لعبة إنتاج المعنى، وإعادة بناء الواقع بما تتيحه تكنولوجيا الإعلام والاتصال من مرونة واسعة في متابعة المضامين وإنتاجها وبثها ونشرها، وتبادلها بسرعة فائقة، تَشَكَّلَت في المجال العمومي الميدياتيكي ملامح سلطة جديدة، عبَّرنا عنها بـ”السلطة الخامسة”(66)، وهي السلطة التي بات بإمكانها تحقيق الإثبات والإبطال بالسرعة القصوى اللاخطية، في المكان المناسب، في الزمن المناسب، وبالأسلوب المناسب. هكذا وبمقتضى ما أوردناه من خصائص مميزة للإعلام الجديد(67)، يمكن عَدُّ شبكات التواصل الاجتماعي الفضاء السيبراني لمصانع الرأي العام الجديدة.
خلاصة
يظل من الضروري، في ضوء ما تقدم، أن تتخطَّى الدراسات الإعلامية براديغم التبسيط القائم على البحوث الوصفية ودراسات الجمهور التي تَسْكُنُها استنتاجات مُنَمْذَجَة وأرقام باهتة لا تجيب على أسئلة المجتمع، ولا تُقَدِّم إضافة للعلم. على الدارس والباحث التَّصدِّي لفهم المشكل الإعلامي والاتصالي بذهن مفتوح على حقول معرفية مختلفة تتيح تثبيت أسس منهجية وإبستمولوجية جديدة لعلوم الإعلام والاتصال. وبناءً على ذلك، نرى من المفيد الاستفادة من قوانين الطاقة الحركية (Kinetic Energy)، والسرعة في الفيزياء الديناميكية (Dynamic Physics)، ومبادئ الدينامية الحرارية (The Principles of Thermodynamics) حتى نفهم بشكل أفضل كيف تتحرك المعلومات وتتحوَّل من طاقة كامنة إلى قوة فاعلة في المجتمع. أليست المعلومات شبيهة بالطاقة الحرارية الكامنة في الأجسام؟ أليست كامنة هي الأخرى في الجسم الاجتماعي، وتسري في مفاصله بالسرعة التي يحددها القائمون بالاتصال، وتتبدَّد كلما شاعت؟ أليست هذه السرعة نسبية تتراوح بين وسيط إعلامي وآخر؟ ألا تُمَثِّل الشبكة العنكبوتية اليوم نموذجًا تكنوثقافيًّا (Techno-cultural) لنظام دينامي مماثل للأنظمة الدينامية في الفيزياء النظرية، والكيمياء والرياضيات، المتميزة بعناصرها ومكوناتها المتفاعلة بعضها مع بعض؟
يدعونا هذا المستوى من التناسب بين حقول معرفية ومجالات بحث مختلفة إلى إعادة التفكير في مناهج البحث، وأدواته الفكرية والنظرية، المعتمدة في علوم الإعلام والاتصال لاحتواء المقاولات العلمية، والتسطيح العلمي المتغلغل بقوة في المجال المذكور بالأوساط الأكاديمية العربية. ولعل من أبرز الحقول المعرفية التي ينبغي الانفتاح عليها، فضلًا عن العلوم الإنسانية والاجتماعية**، حقل العلوم الفيزيائية، النظرية والكمية، تَلَمُّسًا لمحاولة إدماج المعادلات الزمنية ليتسنَّى الاشتغال بها في علوم الإعلام والاتصال. والمقاربة الزمنية، هي إحدى أهم الحلقات الغائبة في الفكر الإعلامي والاتصالي بصفة عامة. إنها المقاربة التي تساعد على فك الألغاز اللسانية، والفيزيائية والفقهية، والسردية وغيرها. “لعبة” التواصل في شبكات التواصل الاجتماعي، لعبة تدور حلقاتها في الزمن، فكيف يتسنَّى إدراكها ودراستها خارج البعد الزمني؟!
______________________
د.عبد الله الزين الحيدري – أستاذ علوم الإعلام والاتصال في جامعة قطر 

مراجع
  1. ماكس فيبر لا يُعَرِّف الفعل الاجتماعي كإنجاز فردي مستقل، إنما يذهب إلى اعتباره نسقًا تفاعليًّا محكومًا بدوافع ومصالح معينة.
  2. كارل ويك هو أحد أبرز رواد نظرية النُّظم (Theory of Organization)، وتدور أعماله حول كيفية تَشَكُّل المعنى في النظم بصورة عامة، فهو يعتبر أن التنظيم يَتَشَكَّل من التفاعلات.
  3. كان اتجاه البحوث السائد في تلك الفترة منحصرًا حول تعضيد فكرة التأثير القوي والمباشر لوسائل الإعلام الجماهيري. ومن أبرز الدراسات التي طبعت هذا التوجه، تلك التي تمت في الولايات المتحدة الأميركية بتمويل من مؤسسة خيرية مشهورة باسم صندوق باين الخيري (Payne Fund). تناولت الدراسة موضوع تأثير السينما في المراهقين وخلصت إلى إقرار قدرة وسائل الاتصال الجماهيري على التأثير القوي في الناس بما ساعد لاحقًا على ظهور مبدأ في التفكير يقوم على استعارة مفادها أن مضامين الإعلام تصيب أهدافها تمامًا كما الرصاصة لتحدث الأثر نفسه في جميع مفردات المجتمع.
  4. Theodor W. Adorno, Max Horkheimer, Dialectic of Enlightenment, (Social Studies Association, Inc, New York, 1944). * التذاوت، مفهوم فلسفي، نجده عند إيمانويل كانط، مفهوم يقوم على فكرة أن الناس ذوات مُفَكِّرَة قادرة على الاعتراف بالآخر وممارسة جدلية الاختلاف.
  5. المسدي، عبد السلام، اللسانيات وأسسها المعرفية، (الدار التونسية للنشر، 1986).
  6. فاخوري، عادل، تيارات في السيمياء، (دار الطليعة، بيروت، 1990)، ط 1، ص 108.
  7. عبد الله إبراهيم، سعيد الغانمي، عواد علي، معرفة الآخر: مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، (المركز الثقافي العربي، 1990)، ص 139.
  8. المرجع السابق، ص 33.
  9. الحيدري، عبد الله الزين، الإعلام الجديد، النظام والفوضى، (دار سحر، 2012)، ص 97.
  10. حسب الإحصاءات التي نشرها موقع (Web Marketing Conseil)، في يونيو/حزيران 2016، نجد أن فيسبوك تَصَدَّر قائمة الشبكات الاجتماعية في العالم؛ إذ بلغ عدد المستخدمين مليارًا وواحدًا وسبعين مليون مستخدم نشط في الشهر، تلاه يوتيوب بمليار مستخدم نشط في الشهر، ثم الواتساب بمليار مستخدم نشط كذلك في الشهر، ثم غوغل هانغوتس (Google Hangouts) بمليار مستخدم نشط في الشهر أيضًا، ثم تانسانت كيو كيو (Tencent QQ)، وهي شبكة الخدمات البريدية الأكثر استخدامًا في الصين، بثمانمائة وثلاثة وأربعين مليون مستخدم نشط في الشهر. ويأتي تويتر في المركز الثالث عشر عالميًّا بثلاثمئة وثلاثة عشر مليون مستخدم نشط في الشهر. http://www.webmarketing-conseil.fr/classement-reseaux-sociaux/
  11. تعتبر هذه النظرية حركة التغير الاجتماعي حركة خطية متصاعدة ذات مراحل مختلفة تكون فيها كل مرحلة أفضل من سابقتها، ومن أبرز رودها أوغيست كومن وجون جاك روسو.
  12. تعتبر هذه النظرية حركة التغير الاجتماعي حركة دائرية مُتَجَدِّدَة، مُنْتَظِمَة، تنتهي لتبدأ من حيث انتهت.
  13. الحيدري، الإعلام الجديد، مرجع سابق.
  14. Castells, Manuel, Emergence des “médias de masse individuels” in Les médias entre les citoyens et le pouvoir, séminaire organisé par le World Political Forum à San Servolo, )Italie, 23-24 juin 2006(.
  15. Novalis, Œuvres complètes, (Gallimard, Paris, 1975, volume 2), p. 66.
  16. الحيدري، الإعلام الجديد، مرجع سابق، ص 88-89.
  17. لوفيفر، هنري، ما الحداثة؟، ترجمة كاظم جهاد، (دار ابن رشد، 1983). أورده محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة، نموذج هابرماس، (إفريقيا الشرق، 1998)، ص 109.
  18. الحيدري، الإعلام الجديد، مرجع سابق، ص 92.
  19. وليام دواز (Willem Doise)، سيرج موسكوفيتش (Serge Moscovici)، غابرييل موغني (Gabriel Mugny)، ستاموس باباستامو (Stamos Papastamou)، ميشيل لويس روكيت (Michel Louis Rouquette)، مايكل بيليج (Michael Billig).
  20. Moscovici, Serge, (Sous la dir.),  Psychologie Sociale, Chap. 7, Les Décisions en groupe, (P.U.F, 1984), p. 216-217-218.
  21. الاستقطاب في الفيزياء هو البُعد الفيزيائي العياني، المستخدَم في دراسة خصائص المواد العازلة، وتدل على كثافة ثنائيات الاستقطاب الكهربائي.
  22. Fiske, John, “Introduction to Communication Studies”, communication, (Londres Routledge, 1932).
  23. Lam, Andrew, “From Arab Spring to Autumn Rage: The Dark Power of Social media“. http://www.huffingtonpost.com/andrew-lam/social-media-middle-east-protests-_b_1881827.htmlانظر كذلك: “Facebook a donné au Printemps arabe un “outil et un espace” d’organisation”. http://www.ladepeche.fr/article/2012/02/02/1275965-facebook-a-donne-au-printemps-arabe-un-outil-et-un-espace-d-organisation.html “Le rôle joué par les medias sociaux dans le printemps Arabe“. http://fr.blastingnews.com/actualites/2014/08/le-role-joue-par-les-reseaux-sociaux-dans-le-printemps-arabe-00120750.html
  24. Durant, Jean-Pierre et Weill, Robert, Sociologie Contemporaine, (Vigot, 1997).
  25. Weber, Max, L’éthique protestante et l’esprit du capitalisme, (Plon, 1964).
  26. Durkheim, Emile, De la division du travail social, (Félix Alcan, Paris, 1893).
  27. Munford, Lewis, Technique et Civilisation, (Ed. Seuil, 1950).
  28. ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، (دار الأرقم بن أبي الأرقم)، في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع لما يعرض للمؤرِّخين من المغالط والأوهام وذكر شيء من أسبابها، ص 59.
  29. المصدر السابق، ص 59-60.
  30. Latour, Bruno, Reassembling The Social, An Introduction to Actor Network Theory, (OUP Oxford, 2007).
  31. Les Réseaux Sociaux à l’aune de la Théorie de l’acteur-réseau, Entretien avec Michel Callon, Sociologies pratiques 2/2006 (n° 13), p. 37-44 .
  32. مصطفى السيد، عبد الحميد، الحيدري، عبد الله الزين، مصفوفة المصطلحات والمفاهيم في مقدمة ابن خلدون، (كلية الآداب جامعة البحرين، 2006).
  33. زاهد غول، محمد، “نجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا: فوز أمة ونصر دولة”، القدس العربي، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
  34. جبار، محمود، “تركيا..وسائل التواصل الاجتماعي تُفشل الانقلاب”، الخليج أون لاين، 16 يوليو/تموز 2016.
  35. Hidri, Abdallah, “Information et Espaces d’Information”, R.T.C, No 13, 1987.
  36. Ibid.
  37. Shannon, Claude E., “A mathematical theory of communication”, Bell System Technical Journal, vol. 27, p.379-423 and 623-656, July-October, 1948.
  38. Brillouin, Leon, Science and Information Theory, (Academic Press, New York, 1956).
  39. Boltzmann, Ludwig, Leçons  sur la théorie des gaz, (Gauthier-Villars, 1902).
  40. Escarpit, Robert, L’information et la communication: théorie générale, (Hachette, 1991).
  41. روبير إسكاربيت (1918 – 2000) أستاذ علم الاجتماع، كاتب وصحفي فرنسي، أحد رواد مدرسة بوردو الفرنسية لعلوم الإعلام والاتصال، مؤسس معهد الأدب والتقنيات الفنية الجماهيرية بفرنسا.
  42. Hidri, Abdallah, L’Information Politique Télévisée en Tunisie, (Université de Bordeaux III. 1987).
  43. هذا لا يعني أن ردود الفعل غير موجودة. إنها موجودة، ولكنها مؤجلة، أو أنها تتحقق بصيغ مختلفة خارج نطاق القناة الإعلامية كالنقاش الذي يدور ضمن حلقات التواصل الاجتماعي.
  44. Yckx, François Heinder, Une introduction aux fondements théoriques de l’étude des médias, (Ed du Cefal, Belgique, 2002).
  45. انظر في هذا المجال:  Levy, P. L’intelligence collective: pour une anthropologie du cyberspace, (La Découverte, 1997).
  46. 46% من سكان العالم يستخدمون الشبكات الاجتماعية أي ما يقارب 3.42 مليارات مستخدم على 7.4 مليارات ساكن. http://www.blogdumoderateur.com/
  47. نذكر على سبيل المثال: التشويش أو الضوضاء، تكرار المعلومات، الأنثروبيا، رجع الصدى…
  48. الحيدري، الإعلام الجديد، مرجع سابق.
  49. المرجع السابق، ص59- 60- 61- 62.
  50. Jean-Tudesq, André, La Radio en Afrique noire, (Ed. A. Pedone, 1983).
  51. Leo, Bogart, the Age of television, A study of Viewing Habits and The Impact of television on American Life, (Ungar Pub Co Edition, 1972).
  52. لقد تمكَّن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن باول، في عرض له عبر برنامج الشرائح الإلكترونية (Power Point) بمقر الأمم المتحدة في 5 فبراير/شباط 2003، من إقناع المجتمع الأممي بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل. العرض كان عبارة عن صناعة ميدياتيكية تم الاعتماد فيها على صور الأقمار الصناعية والصور الافتراضية التي تشير، من دون دليل دقيق، إلى وجود مواقع لأسلحة الدمار الشامل بالعراق. 
  53. على إثر الإعلان رسميًّا عن الزيادة في أسعار العجين ومشتقاته، اندلعت انتفاضة الخبز في تونس في شكل مظاهرات انطلقت من الجنوب التونسي نهاية ديسمبر/كانون الأول 1983، ثم سرعان ما اتسعت المظاهرات لتشمل مناطق الشمال والوسط الغربي للبلاد مما استدعى تجنيد قوات النظام العام، والجيش لاحتواء الأزمة. وقد أسفرت المواجهات بين المتظاهرين والجيش عن سقوط عدد من القتلى والجرحى. أثناء المواجهات، ظهر الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، في التليفزيون معلنًا إبطال قرار الزيادة لتعود الأوضاع الاجتماعية إلى حالة الاستقرار والسلم.
  54. بورقيبة كان يُلقَّب بـ”المجاهد الأكبر”. في كلمته الشهيرة صباح يوم 6 يناير/كانون الثاني 1984، “نرجعو فين كُنَّا”، ألغى الرئيس بورقيبة قرار الزيادة حفاظًا على أمن البلاد واستقرارها داعيًا في الوقت ذاته الحكومة إلى وضع ميزانية جديدة في غضون ثلاثة أشهر.
  55. انظر كذلك: LE Saout, Didier et Rollinde, Marguerite (sous la direction de), Émeutes et mouvements sociaux au Maghreb, Perspective comparée, (Karthala-Institut Maghreb-Europe, Paris, 1999), p. 381.
  56. سروش، عبدالكريم، القبض والبسط في الشريعة، ترجمة دلال عباس، (دار الجديد، 2002)، ص 126، 333.
  57. في الخميس 20 مارس/آذار 2014، السلطات التركية تحجب موقع تويتر للتواصل الاجتماعي كإجراء للتصدي للحملات التي تتهم أردوغان بالفساد. بعد أيام قليلة من ذلك، حجبت الحكومة التركية موقع يوتيوب لبثِّه تسجيلات تتهم حكومة أردوغان بالفساد. وفي يوم الأربعاء 20 يوليو/تموز 2016، الحكومة التركية تحجب موقع ويكيليكس لنشره وثائق سرية رسمية لأعضاء حزب العدالة والتنمية.
  58. إن مفهوم السلطة الرابعة، اخترعه إدموند بيرك (1729-1797 Burke Edmund) عام 1787 للدلالة على التأثير البارز الذي تُحدثه وسائل الإعلام في المجتمع. وليس لهذا المفهوم من معنى خارج أنظمة الحكم الديمقراطية القائمة على مصفوفة المبادئ والقواعد والتعاليم التي وضعها جون لوك (Locke John)، وشار لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتسكيو (Montesquieu)، والمتعلقة بضرورة الفصل بين السلطات الثلاثة: التشريعية والقضائية والتنفيذية. ولولا هذا الفصل بين السلطات الثلاثة، المنطبع بالفكر الليبرالي، لما جرى الحديث عن سلطة رابعة تراقب قوانين اللعبة الديمقراطية والانفتاح والتنوع في المجتمع.
  59. Hidri, Abdallah, The Fifth Estate: Media and Ethics, Journal of Arab & Muslim Media Research, (Volume 5, Issue 1, November 2012).
  60. ليلة الانقلاب على بورقيبة (7نوفمبر/تشرين الثاني 1987)، تم تسخير سبعة أطباء من قبل النائب العام، الهاشمي الزمال، لتوقيع تقرير طبي يكشف عجز الرئيس بورقيبة، عجزه التام عن إدارة شؤون البلاد. هؤلاء الأطباء هم: عز الدين قديش، ومحمد قديش، والصادق الوحشي، وعبد العزيز العنابي، ومحمد بن إسماعيل، والهاشمي القروي، وعمارة الزعيمي.
  61. “…أيها المواطنون، أيتها المواطنات إن شعبنا بلغ من الوعي والنضـج مـا يسمـح لكـل أبنائـه وفئاتـه بالمشاركة البنَّاءة في تصـريف شؤونه في ظل نظام جمهوري يولي المؤسسـات مكانتـها ويوفـر أسبـاب الديمقراطيـة المسؤولــة وعلـى أسـاس سيـادة الشعـب، كمـا نصَّ عليـها الدستـور الـذي يحتـاج إلــى مراجعـة تأكـدت اليـوم. فلا مجـال فـي عصرنا إلى رئاسة مدى الحياة ولا لخلافـة آليـة لا دخـل للشعب فيها…”، من بيان السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987.
  62. منظمة هيومن رايتس ووتش، “سجن أكبر”، 24 مارس/آذار 2010:  https://www.hrw.org/ar/report/2010/03/24/256042
  63. تقرير البنك الدولي حول فساد ابن علي أو “الثورة المنقوصة” (ياسين بللامين)، موقع نواة، 11 إبريل/نيسان 2014.
  64. Beau, Nicolas, Graciet, Catherine La régente de Carthage : Main basse sur la Tunisie, (La Découverte, 2010).
  65. وكالة تونس إفريقيا للأنباء، تقرير صندوق النقد الدولي، “تونس تتمتع بأسس مالية صلبة”، 18 سبتمبر/أيلول 2010.
  66. الحيدري، عبد الله الزين، “الفضاء العمومي الجديد للسلطة الخامسة”، المجلة العربية للإعلام والاتصال، عدد 12، 2014، ص89-134.
  67. الحيدري، الإعلام الجديد، مرجع سابق.

** تشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية: التاريخ، والجغرافيا، والعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، واللسانيات، والديمغرافيا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock