لم تكن فرنسا راضية على السياسة الثقافية للمرحوم محمد مزالي حيث كان يرفع شعار العروبة والتعريب ويتجه نحو إعطاء مكانة بارزة للغة الانجليزية على حساب اللغة الفرنسية ولقد كان المعهد النموذجي بأريانة الذي تأسس في عهد مزالي سنة 1983 والذي يجمع التلامذة المتفوقين ويدرسهم كل المواد العلمية والتقنية باللغة الانجليزية عوض اللغة الفرنسية أحد دواعي الغضب والنقمة الفرنسية على حكم محمد مزالي والذي ظهر وكأنه يهدد النفوذ الفرنسي في تونس.
بالاضافة لذلك قام محمد مزالي بالتقرب من المشرق العربي وتمكن من عقد إتفاقات تشغيل للعمال التونسيين في السعودية وسلطنة عمان والكويت ودول خليجية أخرى وهذه السوق تفتح لأول مرة للعمال التونسيين.
لقد فتح المرحوم محمد مزالي للاقتصاد التونسي آفاقا غير مسبوقة كانت من الممكن أن تقفز بتونس قفزة تنموية عملاقة لولا مكر حزب فرنسا في تونس وإستماتتهم في حبك المكائد ليلا و نهارا لاسقاطه حتى ولو تطلب ذلك سفكا للدماء البريئة (طريقة التفكير وقتها لم تكن تختلف عن طريقة تفكير إعتصام باردو وجماعة الروز بالفاكية).
لقد إخترق محمد مزالي من حيث لم يعلم وربما بسذاجة الخطوط الحمر للنفوذ الفرنسي في تونس ومن ذلك عقد إتفاقيات إنشاء بنوك عربية خليجية ومنها :
1. عقد اتفاقية بين الجمهورية التونسية ودولة قطر في 3 مارس 1982. وإنشاء بنك تونس القطري.
2. بيت التمويل التونسي السعودي حيث تم تأسيسه في 15 جوان 1983 تحت تسمية “بيت التمويل التونسي السعودي” من طرف الدولة التونسية و”الشيخ صالح عبد الله كامل” مؤسس مجموعة دلة البركة.
3. بنك تونس الامارات بنك تونس والإمارات (بالفرنسية: Banque de Tunisie et des Emirats) هو مصرف تجاري تونسي، تأسس في 1982 باسم بنك تونس والإمارات للاستثمار،
كان هذا التوجه الثقافي والسياسي والاقتصادي العام مزعج لفرنسا وتابعيها وكان لا بد من إسقاط محمد مزالي مهما كان الثمن فكانت الزيادة في الأسعار بطريقة مشطة وغير معقولة وكان تحريك الميليشيات الدستورية في الشارع للكسر والاحراق وكانت الفوضى وإطلاق الرصاص بطريقة عشوائية مما تسبب في مئات الضحايا والشهداء…
كان محمد مزالي رجل فكر وثقافة ولم يكن رجل مالية وإقتصاد وقد أكد أكثر من مرة في تصريحاته أن مستشاريه الماليين والاقتصاديين غشوه ولم يخلصوا له النصيحة وأنه سقط في الفخ… الفخ الذي نصبته له فرنسا وعملاؤها في تونس والذين يعتبرون أن توجهات التعريب والعروبة في تونس خطا أحمرا… أحمرا بالدم القاني…
إن مستويات الوعي بالحدث التاريخي مختلفة الحلقات وإن كانت الحلقة الأولى لمستوى الوعي يحيل لانتفاضة شعبية وثورة إجتماعية فإن الحلقة الأعلى والأرقى تشير إلى ما نسميه اليوم الدولة العميقة واللوبيات المرتبطة بالاستعمار.
ومن لم يفهم قصدي بعد أحيله لفقرة من مقال الصديق الاعلامي الاستاذ محمد بن رجب من مقاله حول نفس الموضوع حيث يقول في فقرة أعتبرها الفقرة المفتاح:
(وعقابا لمحمد مزالي ساندت سفارة فرنسا الانتفاضة الشعبية التي سميت إنتفاضة الخبز ووزعت الأموال على مجموعة من الفاسدين كانوا يقطنون الأحياء الشعبية ودعتهم الى النزول الى شوارع العاصمة وتكسير الواجهات البلورية وحرق المنازل في المنازه… وقد تحدثت جريدة الرأي عن هذا الموضوع بقلم حسيب بن عمار حيث قال بالحرف الواحد ان إنتفاضة الخبز هو عمل منظم بين ادريس قيقة وسفارة فرنسا… وقالت جريدة الرأي ان عدسة أحد المصورين التقطت صورة فرنسي يتجول في حي ابن خلدون ويوزع الأموال على بعض الذين وصفته له بعض المخابرات التي كانت تعمل لصالح ادريس قيقة او جماعة اليقظة الحزبية التي تعمل لصالح محمد الصياح).
لم يكن محمد مزالي سارقا بل كان ساذجا بمعنى البعد عن فهم مكر السياسة أمام ماكينة جهنمية أقوى منه أجبرته على الفرار للجزائر مشيا على القدمين وهي لمن يعلم الخفايا ويحسن القياس مع فارق الزمن هي نفس الماكينة التي كابدتها أول حكومة منتخبة ما بعد الثورة وخرجت من المواجهة والقصف العشوائي لحزب فرنسا بأخف الأضرار مقارنة بما آلت إليه حكومة مزالي من إفلاس إقتصادي متعمد.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.