لماذا تحول عيد الميلاد في ألمانيا إلى مأتم؟ وما هي تداعيات هجمة برلين على العرب؟
ليلى الهيشري
هكذا أرادها منفذ عملية برلين، جريمة قتل مروعة لعدد من المواطنين خرجوا لاقتناء هدايا عيد الميلاد والاستمتاع بعطلة رأس السنة الميلادية، عبر دهسهم بواسطة شاحنة لنقل البضائع وهم يتجولون في سوق الميلاد بالمدينة.
وبعد فتح تحقيق في الغرض، حيث أسفر البحث الأولي بعد رفع البصمات وجمع الأدلة المتمثلة في بطاقة هوية، عن التعرف على الجاني وهو شاب تونسي، أصيل منطقة ريفية يدعى أنيس العامري نسبت إليه هذه الهجمة الدموية التي حصلت في ألمانيا، فهل كان هذا العمل هو مجرد عملية إجرامية فردية أم كانت فعلا جريمة إرهابية مدبرة؟
ويرجع هذا التشكيك في سلوك المتهم وتلك السذاجة التي وصف بها عبر ترك هويته في المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، وكأنه يريدهم أن يعرفوه ويقبضوا عليه، فما جدوى فراره واختبائه من العدالة إذن؟ بالإضافة إلى تركه لبصمات يديه في الشاحنة؟ وكأنما “كاد المريب أن يقول خذوني” !!!
عادة ما يتخذ التحقيق مسارا طبيعيا يعرف بالسرعة ولكن يعتمد بالأساس على المعلومة، وكأية سلطة في العالم، تقوم الدول على البحث في إمكانية القبض على الجاني وكل الأطراف التي عرفت بعلاقتها به، لجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات كعمل استباقي ضروري في مكافحة جرائم الإرهاب. لكن من المحزن القول أن التحقيق في برلين لم يكن أبدا تحقيقا عاديا، ففي بداياته كان رفع البصمات على الشاحنة أمر شاق، استهلك منهم 36 ساعة أو اكثر لإيجاد بصمات “التونسي” الفار حسب ما صرحت به السلط الأمنية الألمانية. ولكن بمجرد الإعلان عن نشرية البحث في شخص أنيس العامري، تغير مجرى الأحداث حيث أعلن عن قتل المتهم بعد سويعات قليلة من صدور نشرية البحث، وانتهت التحقيقات بموت المتهم الذي تأكد قيامه بعملية الدهس واقفل الملف.
لذلك تشير الأحداث الأخيرة في العالم، أن العرب لم يعد مرحبا بهم في الدول الأوروبية، سواء كانوا أبرياء أو مجرمين. ولقد سبقتهم إلى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت رسميا عن موقفها من العرب عبر نتيجة الحملة الانتخابية الرئاسية التي تمت يوم 08 نوفمبر 2016 والتي انتهت باعتلاء دونالد ترامب كرسي الرئاسة وهو منصب تحصل عليه أحد الأصوليين الأمريكيين المنتمين إلى التيار اليميني المتطرف، لقد كانت الاعتداءات الإرهابية في العالم وفي أوروبا مؤخرا من اهم الأسباب التي أثرت على الراي العام الأمريكي، ومن أشهرها أحداث مجلة شارلي إيبدو يوم 07 جانفي 2015، أحداث نيس في 13 نوفمبر 2015، مطار بروكسال يوم 22 مارس 2016.
لذلك فيمكن الجزم بأن كل المؤشرات تدل على فكرة أساسية، تتعلق بمخاوف الدول الأوروبية من الجاليات العربية التي اكتسبت حيزا كبيرا من الحريات والمناصب والمراكز الرفيعة في البلاد، فمن قام بالعمليات الإرهابية في فرنسا إرهابيون من أصول جزائرية أما في برلين، وحسب ادعائهم، فهو إرهابي من أصول تونسية، كان في قائمة المهاجرين المزمع ترحيلهم إلى بلده الأم.
ولم يعد هنالك شك في أننا نشهد صحوة إيديولوجية ذات نزعة مسيحية، ستؤدي إلى التصادم مع المهاجرين المسلمين الذين أصبح لهم موطئ قدم في دول المهجر وسيطالبون بكل حقوقهم مقابل موجة الرفض والانزعاج والخوف التي تولدت من جراء هذه الهجمات الإرهابية، وهو رد فعل طبيعي صدر عن أصحاب الأرض الذين سيسعون بكل قواهم إلى الأخذ بزمام الأمور عبر الانتخابات المقبلة وسيكون التصويت لفائدة الأحزاب اليمينية المتطرفة أمرا طبيعيا كرد فعل مباشر حمائي ضد الإرهاب ومصنعيه.
إن كل هذه المتغيرات في العالم على المستوى السياسي، والأمني هو امتداد حتمي لمسار الأحداث المتعاقبة التي وجد فيها الشاب العربي في قلب العاصفة الإرهابية، إذ اعتبرت بعض التقارير الصحفية والسياسية في وسائل الإعلام إن قيام عربي تونسي بارتكاب هجمة إرهابية راح ضحيتها 12 مواطنا ألمانيا فضلا عن عدد الجرحى الذين تجاوزوا الخمسين شخصا وذلك في فترة الأعياد المسيحية، يؤكد على انتشار التطرف الديني الإسلامي في الأوساط الأوروبية وهو ما اصبح يهدد أمنهم ومعتقداتهم، ولا شك أن المستقبل في الدول الأوروبية سيكون مختلفا عما كان سابقا، لأن الأيدي التي امتدت للجاليات العربية لم تعد ممتدة لهم بل سيجدون في المقابل، غضبا وسوء معاملة وإجراءات حديثة قد تحد من وجود الكثير منهم على الأراضي الأوروبية اكثر من ذي قبل.