تدوينات تونسية

سهام بن سدرين مرّة أخرى وأخرى وأخرى

نور الدين الغيلوفي
عرفنا سهام بن سدرين منذ كنا أطفالا نتعلمّ أبجديات النضال ونتعرّف إلى المناضلات والمناضلين.. هي سليلة حركة برسبكتيف الماركسية لمّا كانت للماركسية غواية وكانت الثورية قرينة الرومانسية..
وفي حين ظلّ كثير من منتسبي تلك الحركة حبيسي إيديولوجيا جذرية إقصائية ترى في أفكارها “العلميّةَ المطلقةَ” والحقيقة القصوى التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تحرّرت السيدة سهام من كوابح الإيديولوجيا وابتعدت عن الشرنقة الإيديولوجية العتيقة تلك، فكانت مسيرتها حافلة بنضال حقيقيّ نضال يجعل الإنسان مطلق الإنسان في صدارة اهتمامه.. لقد كانت مناضلة من طراز نادر دفعت من حياتها ومن أمنها وسلامة أسرتها ثمنا باهظا دفاعا عن الحقوق والحريات ولم يغادرها إيمانُها بالشعب وبحقوق الإنسان.. ووقفت في وجوه اللصوص في زمن كان فيه المثقّفون يسبّحون بآلاء سيّدهم ويكتبون مدائحهم في “ثورته الهادئة” وكانت فيه المستأجرات يراودن “العقل في زمن العاصفة” ويجرّبن فلسفة الخطاب الثقافيّ للتحوّل ويعملن مطوّفات في حفلة حجّ تلك التي استولت على تونس طيلة ربع قرن من زمانها..
آنذاك كانت الجرّافات تهاجم بيت سهام بن سدرين في مشهد لم نكن نراه في غير فلسطين المحتلّة.. ولم تتراجع السيدة سهام قيد أنملة عن نشاطها وعنادها وظلّت شوكة في حلق نظام متجبّر يسحق كلّ الواقفين في وجهه.. ولقد وقفت في وجهه كما لم يفعل أولياء الصخب المشهود.. ومضى انكشارية النظام في الهجوم عليها وعلى أهلها.. ضايقوها فلم تسكت وعنّفوها فازدادت عنفوانا ولم تستسلم لهم ولم تخش سطوتهم.. وذهبوا بعيدا في تشويه سمعتها والنيل من عرضها ولم تتخلّ عن دورها بل كانت تزداد قوّة وإصرارا.. وحفظت عهد النضال تركب الصعب دفاعا عن المظلومين…
لم يصوّت نوّاب الجبهة الشعبية لميزانية هيئة الحقيقة والكرامة ليس لأنهم ضدّ العدالة الانتقالية ولا لأنهم مع منظومة التعذيب.. إنّهم إنما امتنعوا عن نصرة الهيئة نكاية في مناضلي حركة النهضة وهم الأكثر عددا من بين الذين انتُهكت حقوقهم وعانوا من منظومة التعذيب.. الإنسان عند رفاقنا الغلاة صنفان: إنسان طبيعي حقوقه مكفولة وإنسان نهضاوي لا حقّ له في الحقوق…
اعذروهم.. لقد استوطنهم الحقد والحقد أعمى…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock