كتب عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي وفي ظل بداية انتشار الحركات الاسلامية بعد الهزيمة المدوية للمشروع القومي أمام العدو الصهيوني سنة 1967.
كتب يقول: استحالة قيام حركة تونسية ذات مرجعية اسلامية في ظل هيمنة المشروع البورقيبي على البلاد واندثار هوية الأنتماء للاسلام كمشروع حضاري.
بعد سنة تقريبا حصل مالم يحتسبه الهرماسي وظهرت النواة الاولى للجماعة الاسلامية كحركة دعوة انتقلت فيما بعد الى ما يسمى بالاسلام الشمولي تطرح الاسلام كحل لعموم الاخفاقات التي سقطت فيها الدولة الحديثة.
تعرضت الحركة لمحنة أولى سنة 1981 ثم محنة ثانية سنة 1987 خرجت منهما أقوى وأوسع انتشارا.
بعد انقلاب 1987 حاول بن علي اكتساب شرعية شعبية وذلك بالدعوة الى انتخابات في أفريل 1989.
شاركت الحركة الاسلامية ضمن قوائم مستقلة اكتسحت صناديق الاقتراع قبل أن تقع عمليات تزييف واسعة لارادة الناخبين حسب ما ظهر بعد ذلك في مراسلات الولاة لوزارة الداخلية.
انتبه النظام القائم إلى تغلغل الحركة الاسلامية داخل المجتمع والخطر الذي تمثله على سلطته. انتهى النظام بعد استشارات واسعة مع الاعداء التقليديين للاسلاميين (استئصاليون من اليسار والبعث خاصة) الى بلورة خطة سموها “تجفيف المنابع”. رأس الحربة في هذه الخطة مشروع “إصلاح التعليم”.
سلم بن علي هذا المشروع الى أحد عتاة اليسار سماه بالمناسبة وزيرا للتربية والتعليم.
المشروع يتلخص في علمنة التعليم بالكامل وازاحة ما يحيل إلى الإنتماء إلى الاسلام كبديل حضاري.
الماركسي محمد الشرفي وزير التعليم الجديد الذي أحرق مكتبة أبيه الشيخ الزيتوني كإعلان قطيعة مع الثقافية التقليدية للبلاد استعان بوجهين من اليسار الاسلامي هما حميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي ووظف حقدهما الشخصي على الحركة الاسلامية للاستفادة من معرفتهما بأدبيات الاسلاميين.
حدثني متفقد فاضل كان يحضر جلسات إصلاح التعليم شدة الرجلين وحرصهما على المشروع المشؤوم أكثر حتى من صاحب المشروع. لفظهما الشرفي بعد انتهاء دورهما كما تلفظ النواة.
حصاد هذا الإصلاح الثاني للتعليم فساد أخلاقي وقيمي وتطرف ديني جعل تونس على قائمة الدول المصدرة للإرهاب.
هذا معول الحقد الثاني معول الحقد على الحركة الاسلامية الذي أحدث جراحا عميقة في ضمير هذا الشعب وفي علاقته بهويته وبتاريخه.
ولكن لله مكر اخر.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.