مقالات

رحلة عادية وأمنيات

مصطفى أعبيد الرحمن

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إلا أنه قد يدركه أحيانا. وما أتمناه هو أن أصعد يوما إلى طائرة الخطوط الجوية التركية فأجد مضيفة تعبر عن الهوية التركية تحييني وتريني اتجاه مقعدي في الطائرة. عندما أقول الهوية التركية أعني بذلك أن تكون محجبة ومحتشمة، وأن لا تسقي أحدا خمرا، وتلك أمنية أخرى أن يتوقف المسلمون عن التجارة بالخمور مهما كانت الفائدة المرجوة منها، فهي حرب على لله ورسوله.

رحلتي اليوم مع الخطوط التركية ليست كرحلاتي، طبعا ليس لأن أمنيتي قد تحققت ووجدت المضيفة المحجبة، وليس لأني لم أر خمرا تسقى على متن الطائرة، فتلك أماني لا يزال طيب أردوغان ورفاقه، حفظهم الله، يتدرجون للوصول إليها وسيصلون إليها كما وصلوا لما لم يكن متصورا من قبلها. رحلتي هذه ليست كالرحلات لأنني ظللت عالقا انتظرها أسبوعا كاملا.

يوم الأحد قبل الماضي وصلت إلى مطار دلهي الدولي (مطار إنديرا غاندي رئيسة الوزراء المغتالة عام 1984) بعد ليلة قضيتها بالمدينة، وبعد سفر من إحدى مدن الداخل. أثناء إكمالي لإجراءات السفر فوجئت بموظف الخطوط يسألني عن وثيقة معينة. كان يريد إثبات تسجيل لدى مصلحة الأجانب. فاجأني الأمر فقد سبق وأن سافرت للهند عدة مرات ولم أسجل مطلقا من قبل. لكن هذه المرة كنت أحمل تأشيرة تختلف عن سابقاتها. عادة تهتم الشركة بمسألة الوثائق وترتيبات السفر، لكن أحدا لم ينتبه هذه المرة. مكتب الهجرة في المطار لم يسمح لي بمغادرة الهند قبل إكمال التسجيل. اضطررت للعودة بعد ساعات من حيث أتيت.

ما يلفت الانتباه في المطارات الهندية هو التشدد في الإجراءات الأمنية. لا يمكن أن يدخل المطار غير المسافرين الذين بأيديهم تذاكر. كما أن أي مسافر دخل المطار ثم عدل عن السفر، لا يمكنه مغادرة المطار إلا بعد التسجيل عن شرطة المطار وبحضور ممثل عن شركة الطيران صاحبة التذكرة. هناك يخرج لك الشرطي دفترا باليا يكتب فيه اسمك ورقم جواز سفرك ثم توقع. من مفارقات الهند أنك ترى التقدم الهائل في بعض الجوانب بينما ترى ممارسات من القرون الوسطى في جوانب أخرى، كدفتر الشرطي.

المهم عدت لشيء واحد وهو أن أسجل عند مصلحة الأجانب. وتلك رحلة أخرى شاقة، فالإدارة الهندية تعرف بيروقراطية وبطء شديدا في الإجراءات. والمشكلة أنه من المفترض أن أسافر إلى الولايات المتحدة نهاية هذا الشهر في رحلة عمل لابد من إيجاد وقت للتحضير لها (كفانا الله شر الأمريكي “الأصيل” دونالد ترامب 🙂 ).

ستة أيام استغرقها إنجاز تلك الورقة، إثنان منهما كانا عطلة.
أكتب هذه الأحرف وأنا الآن على متن طائرة بوينغ 777-300، طبعا تختلف كثيرا عن الطائرة الحديثة لأسطولنا الجوي بوينغ 337-800، وهو الأسطول المكون من خمس طائرات، والتي واجهت مشاكل فنية في رحلتها الأولى، وقيل إنها طائرة مستعملة (آريفاج)، المهم اللهم استرنا بسترك الجميل.

يبدو أننا سنبدأ في الهبوط صوب إسطنبول وسأكمل ما بدأت من مطار اسطنبول (تكتب اسطنبول وليس اسطمبول، حيث لا توجد ميم ساكنة بعدها في اللغة العربية. وأيضا مدينة تنبدغة تكتب كذلك وليس تمبدغة).

وصلنا لمطار اسطنبول بسلام ولله الحمد. هذا المطار الفسيح الجميل الواقع على بحر مرمرة جنوب اسطنبول، هل تدرون أنه كان معدوما تقريبا قبل أن يصبح واحدا من أهم مطارات العالم في بضع سنين. وهل تعلمون ان الخطوط التركية انتقلت من خطوط مغمورة ومجهولة إلى أفضل خطوط في القارة الأوربية في بضع سنين كذلك؟ من فعل ذلك؟ أتدرون أنه طيب ورفاقه؟

وهل ستصدقون إذا قلت لكم أن الحكومة التركية تبني الآن مطارا عملاقا سيفتتح قريبا ليحل محله في شمال اسطنبول؟ هذا هو حال الدول إذا وجدت شعوبها فرصة لتختار أفضل أبنائها وأوسطهم ليتولى أمورها.

طبعا تواجه الخطوط التركية الآن أزمة لتناقص المسافرين عبرها كنتيجة طبيعية لموجة الإرهاب التي تواجهها الدولة وعدم الاستقرار الذي سببه الانقلاب الفاشل قبل شهور. فقد أوقفت الخطوط طلبيتها من الطائرات الجديدة كما أنها بصدد تسريح بعض العمال. كما جرى تغيير قيادتها. هذا هو حال الشركات الناجحة: صعود ثم هبوط ثم صعود وهكذا.
سعيد بسفري عبر الخطوط التركية فهي مفضلة عندي كما الإماراتية وطيران الاتحاد والخطوط القطرية، واتمنى يوما أن يقدر شعبنا في موريتانيا على التمكن من اختيار من يسير أموره من بين أبنائه بحرية. وحينها سننهض نحن أيضا بإذن الله.
حان موعد رحلتي إلى نيرنبرغ الألمانية. تحياتي لكم جميعا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock