مقالات

ترومب.. لماذا أتمنى نجاحه في الإنتخابات ؟

أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2016.08.16
سمعت هذا المساء خطاب “ترومب” الذي حدد فيه الخطوط العامة لسياسته الأمنية وعلاقته بما يسميه الإسلام الراديكالي. سأكتب في أهمتيه غدا إن شاء الله.

وعدت البارحة بكتابة تعليق على خطاب ترومب. فما الذي يجعل خطابه جدير بالتعليق؟ ما قيل فيه وما لم يقل. وقد سبق أن تمنيت نجاحه في الانتخابات.
تعليقي هو في الحقيقة تبرير لأمنيتي في نجاحه. ذلك أني واثق من أمرين: فهو لن يستطيع أن يغير شيئا في مايجري في الإقليم بل سيجعله شفاقا بمعنيين.
فهو أولا سيستعمل نفس الجنود بسبب امتناع عودة الجيش الأمريكي للإقليم وهو كان يتمنى بقاءه لأنه كان يتصور أن جلاءه كان خيارا وليس اضطرارا.
وسيعلم أن ذلك كان اضطرارا فيصبح ما تستعمله أمريكا الآن بتقية علنيا أي إيران وإسرائيل والأنظمة العميلة للحرب على ما لم يكد يخفيه تلطيفا بعبارة الإسلام الراديكالي.
لماذا أقول لم يكد يخفيه: فقيسه الحرب على الإسلام الراديكالي على الحرب على الشيوعية لم يكن يميز بين راديكالية وغير راديكالية: الشيوعية ذاتها.
وإذن فالحرب هي على الشرط الثالث والأخير في نهاية الحروب (كلاوسفيتز). ولذلك تكلم على الحرب الإيديولوجية: القضاء على سر إرادة المقاومة والصمود أي الإسلام ذاته.
فهو يتصور المرحلتين الأوليين قد تمتا أعني هزيمة الجيوش واحتلال مصادر إعادة تكوينها أي الأرض والثروة. فعنده أن أذرع أمريكا حققت جل ذلك.
هذا ما لم يقله أو ضمير كلامه فما تبعاته على الوضع الإقليمي؟ ينبغي تعديل ما قاله:ذكر صراحة مع من سيتحالف (السيسي وإسرائيل) وموه في الباقي.
إذ استعمل تورية عامة وتقية خاصة: قال وسنتحالف مع كل أصدقائنا في الإقليم ولم يذكرهم ثم ضم للتقية إيران وحزب الله إلى من يعتبرهم أعداء.
ولما كان لا يعتبرهم ممثلين للإسلام الراديكالي وكانت الحرب بنصه ضده فهو إذن يغالط بذكرهم لعلتين: حتى لا يفضح دعايتهم وحتى يقبلوا بشرط وحيد
والشرط الوحيد ليس خاصا بهم: فهو شرط كل حلفاء أمريكا التابعين أن يقبلوا بالتخلي النهائي عن الردع المستقل مثل اليابان وألمانيا وجل أوروبا.
وهذا تحصيل حاصل فمشكل إيران وأذيالها مؤقتا على الأقل هو التمكن من الإقليم ولو تحت المظلة الأمريكية والإسرائيلية وهو يحتاج إليهم على الأرض
وإذن فإيران والحشد وأحزاب الله في الهلال والخليج واليمن هم جيش ترومب على الأرض في ما أعلنه من حرب على من يوسمون بتمثيل الإسلام الراديكالي
والتحضير لهذه الحرب بدأ إيديولوجيا وبأقلام عربية وتمويل عربي: فما يسمى بالتكفير والإرهاب وإلصاقهما بالوهابية وبالمقاومة عامة فلسطينية كانت أو سورية أو مصرية تمهيد لها
هذا في الإقليم وطبيعة الحرب التي هي جارية حاليا لكنها ستصبح شفافة وعلنية بحلف صريح وليس خفيا كما في عهد أوباما وهو ضد السعودية وتركيا خاصة
السعودية بسبب الوهابية واتهامها بنشر الإسلام الراديكالي في العالم وتركيا بسبب مساندتها المقاومة بعد الثورة فهددت فاجرة إسرائيل، اردوغان ومرسي اللذين اعتبرتهما يسعيان للتحرر من هيمنة الغرب.
وأتمنى نجاحه بخصوص هذه السياسة في الإقليم فضلا عما سيأتي بخصوص سياسته في أمريكا نفسها وفي الغرب عامة لصلته بما نصحت به الثوار من استراتيجية
كيف اتمنى ما كان ينبغي أن أخشاه فأتمنى عكسه؟ ما سأقوله قد يفاجئ الكثير: لا أخشى العدو الصريح والغبي إذ يواصل ما يقوم به العدو الخبيث والذكي
فما ينوي القيام به في الإقليم ليس أسوأ من الحاصل وما سيقوم به في أمريكا والغرب هو ما يفيدنا في استراتيجية المطاولة المطلوبة كما بينت سابقا.
لماذا قلت إن ترومب عدو صريح وغبي وإن أوباما عدو يستعمل التقية الشيعية وذكي: فهو يستعمل إيران ومليشياتها بديلا من جيشه العاجز دون إعلان.
أما ترومب فسياسته يصح عليها حكمة بلتزار جراسيان: “من يعد بكل شيء لا يعد بشيء. فالوعود هي الفخ الذي يقع فيه الأغبياء”. ولا أغبى من بيضان أمريكا
Wer alles verspricht, verspricht nichts; aber Versprechungen sind die Falle für die Dummen.
فترومت وعد الأمريكان بأمرين يبينان أنه فعلا غبي يعد أغبياء: الأمن والنجاح كما في حالة الحرب الباردة بين أمريكا والسوفيات. قاس ونسي الفارق.
ولأذكر الفارق الأساسي دون كلام على -قدسية الإسلام ودنسية الشيوعية إذ قد لا يفهمهما-: ففي حالة الحرب الباردة كانت ضد نخب حاكمة وليس ضد شعب
ذلك أن الشيوعية لم تكن في يوم من الأيام عقيدة شعبية بل كانت عقيدة نخبوية مفروضة على الشعوب لتعارضها مع الميول الطبيعية للملكية والحرية.
غلبة الرأسمالية للشيوعية هـي إذن نصر الشعوب التي كانت خاضعة لها ضد النخب التي كانت تقاومـها: فبدت فيها أمريكا وكأنها تناصر الشعوب ضد الطغيان.
حالة الحرب ضد الإسلام تجري في وضع معاكس تماما: حرب الرأسمالية على الإسلام تحالف فيها أمريكا الطغاة ضد الشعوب وهي تحارب عقائدهم لفرض عقيدتها التي اعتنقتها النخب الخائنة.
لذلك فأذرعه -إيران وإسرائيل والأنظمة العملية والنخب المغتربة والمليشيات وحتى روسيا- كلها بجيوشها لا تمثل الشعوب بل طغيان تابع لطغيان أمريكا.
تلك هي العلة التي تجعلني أتمنى نجاحه: سيجعل ما يجري صريحا وشفافا فيكون المعلن الحقيقي على الثورة التي هي شرط الاستئناف الإسلامي عالميا.
لن يربحها لا إيديولوجيا ولا عسكريا ولن تكون جولة قصيرة بل هي حرب مطاولة ستؤدي إلى افلاس أمريكا بمعنيين وقد بدأ بعد في حربها على العراق.
فحربها على أفغانستان والعراق حققا الإفلاس الروحي -لم يعد لها جيش قادر على الحرب البرية- وشرعا في تحقيق الإفلاس المادي: ما خسرته كثير جدا.
لكن ترومب إن نجح سيجرب إعادة ما سماهم حراس “الأويل” البترول. وهذا ما أتمناه: ذلك أنه سيحقق شرط الإفلاس العسكري التام لأن اصطيادهم سهل جدا.
ولما كان ينوي أخذ ثروة البترول لاسترداد ما خسرته أمريكا في الحرب وتعويض أسر الجنود الذين قتلوا فيها فهو سيحرم منها عملاء أمريكا الذين جاؤوا على دباباتها.
فيخسر بذلك ولاءهم لأنهم لا ولاء لهم إلا لنهب ثروة العراق التي يمولون بها حروب إيران على بقية العرب. وحينئذ ستتعارض مصالح إيران مع شعب العراق الذي سيستعيد لحمته الوطنية.
فما جرى في العراق من إفراط إيراني حقق فيه في أقل من عقدين ما حققه احتلال الاحواز وسيكون ذلك بداية تحرير الشيعة العرب رغم عناد جرو الملالي وزمارتهم اللبناني.
والحرب ستصبح شعبية في كل الإقليم لأنه بكلامه المعمى أعلن الحرب على ما بقي من أنظمة الخليج على شيء من الغيرة على الإسلام فيزل الخونة نهائيا
ذلك أنه بهذا قد أعلن الحرب على السعودية وقطر وتركيا وإن لم يسمهم: لكنه سمى من يسعى للإطاحة بهم وأكد على حلفائه من العلمانيين والليبراليين
إلى حد الآن لا أعتقد أن القاريء سيجد صعوبة في فهم ما استنتجته من الخطاب: فهو لا يبدو متضمنا الكثير من التعقيد. لكن البعد الثاني هو المشكل
لهذا خاصة أتمنى أكثر نجاح ترومب. فنجاحه سيكون له من التبعات في أمريكا وفي الغرب الأوروبي وهي شرط حرب المطاولة لعودة دور الإسلام في التاريخ
ذلك أن الإسلام لن يعود لدوره التاريخي الكوني ما لم يصبح نموذجا يتمناه كل شباب الغرب فيتم انتشاره كما حصل في جنوب آسيا وفي افريقيا بقيمه.
وهذا يقتضي عاملين أحدهما هو نجاح ترومب والثاني هو نصيحتي للثوار لمنع مافيات الغرب من إنجاح استراتيجية مافياته لتحريض شعوبها ضد الإسلام
ويكفي تطبيق أخلاق الحرب الإسلامية كما أوصى بها النبي وحتى القرآن نفسه عند تكلم على إجارة المشرك: حمايته وإسماعه القرآن ثم إرجاعه لأهله آمنا.
فذلك يجعله سفيرا للثورة لدى أهله. فيفسد على العدو خطته في تأليب شبعه ضد الثورة. ويتم بالتدريج الفصل بين المافية المعادية وشعبها الذي يمكن تحييده.
وقد كتبت في ذلك الكثير -خلال مقامي بكوالالمبور- لترشيد المقاومة العراقية ضد سخافة التوب تان التي علقت بمتقضاها بعض أجساد الجنود الأمريكين معتبرا ذلك يخدم بوش أكثر مما يخدم المقاومة.
فالشعب الأمريكي لن يخيفه ذلك بل بالعكس هو يستفزه فيصبح مؤيدا للحرب بدلا من معارضتها فيزول مفعول حرب فياتنام بسبب سخف من لا يفهم أهمية أخلاق الحرب الإسلامية.
وهذا في ما يخص ما يقع لأسراه لدينا أما ما يقع في أرضه فهو ليس من المقاومة في شيء بل هو من عمل مخابرات الأعداء الذين يريدون تشويه السنة.
والسنة هي أمة الإسلام. أما الشيعة فهم النقيض التام للإسلام. وقد شوهوا آل البيت بأن جعلوهم شيعة وهم كلهم سنة وكل ما ينسب إليهم أكاذيب من دعاة الانتقام الفارسي الذين هم أول من غدر بهم.
ما الذي انتظره من نجاح ترومب في أمريكا؟ سيعيد ما حالوا باستعمال أوباما إيقافه: ميل سود أمريكا للإسلام.التمييز العنصري سيزداد بذرة الثورة
لكن التمييز العنصري لايقتصر على السود فهو يشمل اللاتين وكل المهاجرين من الأقليات غير البيضاء. وهذا أيضا سيولد ما أرادوه لنا: فوضى هدامة.
لكن ذلك كله مشروط باستراتيجية بعيدة المدى هي أساس النجاح في حرب المطاولة: وهي ثقافية ورياضية. ينبغي تشجيع الثقافة الشعبية والرياضات كلها.
فسلاح حرب المطاولة -كما بينته في كلامي على أزمة الهويات الغربية- يعتمد على الثقافة الشعبية والرياضات وعلى البايولوجيا ولعله ينبغي أن يكون غزوا جنسيا مخططا.
ففي مجتمعات شاخت وأصبحت مخلدة إلى الأرض يؤدي الشباب والجنس دورا رئيسيا في الحركية الاجتماعية وكل استراتيجي ينبغي أن يعتمد عليها في خطته.
ونفس ما ذكرناه على أمريكا يصح على أوروبا الغربية بل هو أكثر صحة لأن الشيخوخة فيها أعم ولأن الثقافة الشعبية والرياضات كلها غير أوروبية: افريقية وعربية وتركية.
ولما كان اليمين الأوروبي سيحاكي ترومب فإن نفس الأسباب تحقق نفس المسببات. لذلك فأوروبا أيضا ينبغي أن نتعامل معها بنفس الاسترايتيجية مع فارق.
والفارق هوأن أوروبا ملاصقة للإقليم السني التركي والعربي ومن ثم فلها من الخبرة ما يجعل بعض حكمائهايقللون من مفعول ترومب عليها فيبتعدون عنه.
فلا ننسى أن إيران ساعدت بالقاعدة أداتها الطيعة مرشح المسيحية الصهيونية (بوش الابن) في دورتي الانتخاب حتى ينجح لتحقق بها أهدافها في افغانستان والعراق.
ولست بغافل بان الأعداء في الإقليم يتمنون نجاحه كذلك لمشاركتهم إياه في نفس الاستراتيجية التي تترتب على خيار المناجزة: بدارا خوفا من الوقوع الذي لا ريب فيه.
ففي كل التاريخ الإسلامي الجولة الأخيرة تكون دائما لصالح السنة لذلك فكل دول الشيعة والباطنية دالت ولم يبق مؤثرا في التاريخ الإسلامي الموحب إلى دور السنة.
دور الباطنية والخوارج -وهم وجههم الثاني- كان دائما -مثل دور إسرائيل- معتمدا على حلف مع عدو خارجي سرعان ما يسقط بسقوطه. وهو ما سيحصل هذه المرة وستكون الضربة القاضية إلى الأبد.
لذلك فإني لا أستبعد أن تستعمل أداتها الثانية -داعش- لنفس الغاية: فيكفي ضربة في أمريكا حتى ينجح ترامب.وقد يقال لي لكنك تتمنى نجاحه. فما الفرق؟
وكان الناس يستبعدون ذلك ويستبعدون خاصة أن تكون القاعدة أداة إيرانية. لكن لا أحد اليوم يشك في أن إيران حليفة الغرب وأن داعش أداة إيرانية.
هي تتصور الحرب الحالية يمكن أن تربح بالمناجزة. وهذا بات مستحيلا لأن الجيش الأمريكي لم يعد قادرا على الغزو لتمكين إيران بعد الانسحاب.
الفرق هو أن إيران أيضا تقع في نفس خطأ ترومب: قياس مع نسيان الفارق.لم تكن شعوب الأقليم مطلعة على الحلف الخفي بين إيران والمسيحية الصهيونية
وهم يعلمون ذلك لذلك لجأوا إلى بوتين. لكن بوتين بدأ يفهم أنه مستهدف حقا من الغرب ومن إيران أيضا: فهو يفتح بغباء يساعد منافسا طاقيا في أوروبا
وأظنه قد فهم لأن مسارعته في تأييد أردوغان ضد الانقلاب لم تكن إلا الفرصة التي انتظرها حتى يخرج من المآزق الحالي ويجد حليفا آمن في الإقليم
أنا أتمنى نجاح ترومب وهم يتمنون نجاحه. لكن خطتي هي الأهم لأن قياس ترومب على الحرب الباردة وقياس إيران على حرب العراق ينسيان الفارق.
وخطتي لا تكون مؤثرة إلا إذا فهمت قيادات الثورة سر النجاح: الوحدة بدل تنازع أمراء الحرب والمطاولة مع أخلاق الإسلام الحربية بدل التشفي الغبي.
وهدفي أن يوجد من بيننا من الحكماء ما يفهم كل هذه المعطيات فتعامل معها بما نصحت أو بأفضل منه إن كان لهم رأي افضل والله ولي التوفيق والسلام.
ذلك أن الإسلام لن يعود لدوره التاريخي الكوني ما لم يصبح نموذجا يتمناه كل شباب الغرب فيتم انتشاره كما حصل في جنوب آسيا وفي افريقيا بقيمه.
وهذا يقتضي عاملين أحدهما هو نجاح ترومب والثاني هو نصيحتي للثوار لمنع مافيات الغرب من إنجاح استراتيجية مافياته لتحريض شعوبها ضد الإسلام.
فلا يكفي أن يكون شباب الأمة قد استرد خصال كانت للعرب حتى في الجاهلية أعني الشجاعة والبطولة والتحلل من الكسل والجبن حب المجد وطلب الحق
لا بد من جعل ذلك كله خاضعا للقيم الخلقية الإسلامية أعني العفو عند المقدرة والذكاء الاستراتيجي في التعامل الرحيم تمييزا بين المحارب والشعب.
فخصال الجاهلية وحدها لم تسمو بالعرب إلى الكونية لولا ما أضافه إليها الإسلام من أخلاق الاستعمال الحكيم للقوة بجعلها أداة الحق والعدل وتحرير البشرية روحيا من عبادة العباد لعبادة رب العباد وسياسيا من الاستبداد والفساد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock