هل الشاعر بحري العرفاوي شيعي ؟
العنوان يبدو غريبا ولكنني تعمدت وضعه للفت انتباه قراء النص ولإعلان ما يُقال عني في الخفاء من قِبل بعض الأشخاص وفي بعض المناسبات.
أنا لا أتحرج من أي وضعية أكون فيها باختياري ولا أتبرأ من أي طريق أسلكه ولا اجعل من عقلي وعاء للتعبئة الإيديولوجية أو السياسية أو المذهبية، كان ذاك منهجي مذ كنت تلميذا ولم يكن لي قائد ولا شيخ ولا إمامٌ ولا زعيم وإنما كانت لي صداقات وعلاقات ندية وكانت لي مواقف من شخصيات أقدر لها تاريخها ومسيرتها.
حين تلقيت دعوة للمشاركة كشاعر في المؤتمر الدولي لدعم المقاومة في أكتوبر 2011 لم أتردد ولم أر في الأمر أي حرج بل نشرتُ الخبر على الفايسبوك بكل اعتزاز ولكن فوجئتُ حين وجدت تعليقات لبعض الفايسبوكيين وأغلبهم بهويات غير معلومة يهاجمون الشيعة وينبهونني إلى مخاطر التشيع.
لم آخذ الأمر بجدية وسافرت ثم شاركت في مؤتمر الصحوة الاسلامية فمؤتمر شعراء المقاومة ومناسبتين أخريين بعدها.
كنت أجدني منسجما مع نفسي فأنا شاعر ارتبط تاريخه الشعري بفلسطين وبالثورات وقضايا التحرر… في إيران لم ألاحظ أية محاولة للتأثير المذهبي ولم يكن أحد يجالسنا أو يقترب منا في سهراتنا بالنزل وكنا عددا من التونسيين في كل المناسبات.
في 2012 بنزل الماجستيك أحييت صحبة شعراء تونسيين وعرب احتفالية بيوم القدس العالمي وكان من بين الضيوف عدد من أبناء النهضة وحظر المستشارين الثقافي والسياسي للجمهورية الاسلامية الإيرانية… فاجأني أحد الأصدقاء يهاتفني بعد السهرة يقول أنه دخل وخرج بسبب حضور شخصيتين شيعيتين فكان ردي بمقال بجريدة الضمير.
كلما كتبت نصا عن المقاومة وجدت من يطرح علي سؤالا حول الشيعة والتدخل في سوريا وكنت أجيب دائما بكون ما يحصل في سوريا ليس معركة داخلية من أجل الحرية والديمقراطية إنما هو صراع إقليمي ودولي من أجل إعادة تقسيم الخارطة وتقاسم النفوذ ـ وهو ما تؤكده الوقائع اليوم ـ
موقع الصدى نشر منذ حوالي السنتين صورة من المركز الثقافي لحفل توديع المستشار الثقافي حضره سياسيون وبرلمانيون وجامعيون وإعلاميون ومثقفون وكنت من بين الحضور ولكن التعليق المصاحب للصورة يقول كاتبه إنه اجتماع سري لرموز التشيع في تونس لوضع خطة عمل ومبايعة الإمام.
كتبت ردا هادئا وضحت فيه المسألة ولكن بعض من لا أعرف هوياتهم يعتمدون الصورة من حين لآخر لإعادة قول ما لم أقله عن نفسي.
المفاجأة الأكبر كانت على لسان قيادي في النهضة بلغني أنه قال عني “شيعي” وذلك حين كتبت تدوينة ناقدة لاختيار ثقافي بمناسبة المؤتمر العاشر، هذا القيادي المستشار يعرف أن سيده ومولاه وعَرْفه لا يُقدمني في التظاهرات الكبرى إلا بـ”الشاعر العظيم”… وهو الذي مارس أسلوب الجبناء في ترويج ما لم أختره لنفسي… لم أقل “التهمة” لكونها ليست تهمة لمن اختار أن يكون شيعيا ولو كنت حتى لائكيا لقلتها فلست جبانا ولا أتنكر لذاتي ولا تهون علي أفكاري فأخفيها.
هذا المستشار لا أردد ما يقال عنه كونه عميلا دوليا ومخبرا وجاسوسا فأنا لا أعرفه ولم أسمع به والله إلا بعد 2011 ولم يكن له اسم في الجامعة ولا في الساحة التونسيتين يوم كنا نجوب الخارطة ونلهج بالثورة والمقاومة ولا أدري ما الذي يجعله يستسهل استعدائي ؟
لست بصدد دفع “تهمة” لا أجدها فالتشيع اختيار حر كما كل الاختيارات ولست أبحث عن “براءة” فأنا ليس لأحد علي سلطان ولا أحد يمكنه أن يشترط علي اشتراطا لأنني لست ملزما بأي طريق غير التي أحفرها بنفسي وأشقها ببصري وبصيرتي أنا شاعر حر مؤمن متحرر.
لا أستعمل مفردات مذهبية ولا عقدية في كل تحاليلي السياسية ولا أبني علاقاتي إلا على مبدأ “الإنسان” ولذلك فإن شبكة علاقاتي واسعة وممتدة من اليمين إلى اليسار والوسط أنا أومن بـ”النمط” الذي لا يُصنف ولا يُشكل ولا يُحدد ولا يُعرّف إلا بكونه “إنسانا”.
لا يمكنني الرد على محدودي الدخل المعرفي والقاصرين عن الحركة الذهنية والمُثقلين بالكراهية والأحقاد والأطماع ولا أستطيع أن أجلس حيث يجلس من أقعدتهم الأوهام والعجز والكسل فلم يضربوا في التاريخ وفي الزمن وفي ملاحم الرجال والنساء ولا أستعمل أيضا قاموس التخوين ولا أشير إلى “أوكار” الفتنة.
هل أنا شيعي؟
لست شيعيا ولا خارجيا ولا زيديا ولا وهابيا ولا أباضيا ولا متحزبا ولا متمذهبا.
(لم أقل “سني” لأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أنا مسلم أفكر بحرية وأختار سبيلي وأتجه للمستقبل وأنجذب إلى “الإنسان” مفردا جمعا كما عرّفه القرآن الكريم وكما أمرنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بخدمته.
ما كنت أجد حرجا في ما يُقال وما كنت أجد رغبة في التوضيح ولكن وجدت ىأن بعض الأصدقاء والصديقات لا يجدون إجابة حين يقول لهم بعض من يلتبس عليهم الأمر أو يتعمدون التلبيس بأنني “شيعي”.
“ما يحصل في سوريا ليس معركة داخلية من أجل الحرية والديمقراطية إنما هو صراع إقليمي ودولي من أجل إعادة تقسيم الخارطة وتقاسم النفوذ ” السؤال من المسؤول عن تحول الإحتجاجات المطالبة بالحرية و الديمقراطية إلي صراع إقليمي و دولي من أجل إعادة تقسيم الخارطة و تقاسم النفوذ