تدوينات تونسية

البَغْلُ الذي عَرَفَ قَدْرَهُ

قديمَا قيلَ “عاشَ من عرَف قدرَهُ”.. لأن من عرف قدره، سلِمَ من التّوبيخ الاجتماعي. لكن للأسف، الكثير من الناس، في زمن الرَّداءات، لا يعرفون قدرهم إلا قهرًا أو بالقوة : وجميع الأنظمة الفاسدة والظالمة، والحكام المستبدين لا يعرفون قدرهم، إلا عندما تكنسهم الثورات، وتطحنهم الانقلابات، وتذلّهم المحاكمات ويصفعهم الشعب.

“هندُ بنت النّعمان”.. إحدى نساء العرب، المشهورات بالجمال، والحكمة، والفطنة.. والشجاعة، استفزّتْ يومًا زوجها الحجّاج بن يوسف، ببَيتيْن من الشعر، قالتهما وهي تنظر إلى نفسها في المرآة، نادمة ًعلى تورّطها في زيجة غير متكافئة، قالتهما والحجّاج يسمعها، دون أن تراه:

وما هِنْدُ إلا مُهْرةٌ عَربيّةٌ *** سَليلةُ أفْراسٍ ،تَحَلّلَهَا بَغْلُ

فإنْ ولدَتْ فَحْلاً، فلِلّهِ دَرُّها *** وإن وَلدَتْ بَغْلاً، فَوَالِدُهُ البَغْلُ

ففَهِمَ الحجاجُ – الداهية – أن المرأة قد زهدت فيه، وشتمته بذكاء، وأفصحت عن بغضها واستنقاصها له ولم ترض له إلا تصنيفه ضمن قائمة البغال، وبالتالي فهو ليس لها نِدًّا، فلم يستنجد بمنظمة حقوقية، للثأر منها، ولم يسْتَقْوِ عليها ببلطجة ذُكُوريّة لتأديبها، بل احترم نفسه، وعرف قدْرَهُ، وانسحب من حياتها بالطلاق. واحتفظ لنفسه بالردّ الأدبي على ما قالت، في الوقت المناسب.

– فمتى تفهم بعضُ البِغال قدْرَها، وتنسحب من مواقعَ استوطنتها، لا لكفاءتها وإنما لولائها، وهي لم تخلق لها، وغَنِمَتْ وظائفَ ومراتبَ ليست على مقاسها، وحشرت نفسها في مقامات ومراكز، ليست لها أهْلاً، وتدخّلت فيما لا يعنيها، ومثلت أدوارًا، خارج اختصاصها، لا تواتيها… قبل أن تُسْحَبَ قَهْرًا؟.. وتُوبَّخَ جهْراً ؟.. وتّذَلّ َ دهْرًا ؟. وعلى رأي المثل : لقد أسْمَعْتَ، لو ناديْتَ حيًّا… ولكن ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock